العراق: عقود السلاح تخرس الافواه محليا ودوليا
هيفاء زنكنة
February 24, 2014
نهب المال العام مستمر في
العراق بلا انقطاع، متجليا باشكال ومستويات متعددة، بعضها معلن كعقود ومشاريع، لفرط ضخامتها، تحسدنا عليها دول العالم أجمع، لكنها بالحقيقة عقود وهمية، وبعضها الآخر خفي يمرر على الناس عبر مقايضات السياسيين ومدراء المؤسسات، وطبقة المسؤولين واتباعهم واقاربهم ووكلائهم، في داخل وخارج
العراق.
لا يقتصر النهب على حصد الغنائم او تقاسمها بين الساسة العراقيين أنفسهم وطبقة رجال الاعمال المتكاثرة مثل الفطريات، ونهب النفط وبيعه بشكل فردي او عشائري او حزبي ولكنه، ومنذ ايام الاحتلال الاولى، ترسخ في مجالات أعمق، وهي خدمة البلدان المشاركة في الاحتلال ومحاولة تعويضها، بشتى العقود، عن مساهمته بتخريب العراق. فلكل بلد من الغزاة عقوده المقسمة حسب درجة فاعليته. لذلك لا يمكن فصل الفساد المالي والاداري الحالي، عن هيكلية الغزو وما سبقها من تخطيط وبرمجة الذي حول ما اطلق عليه الغزاة اسم ‘ برنامج الاعمار’ الى برنامج ‘ فساد ونهب بلا حدود’. فالبعثات الدراسية، مثلا، تبتعث بالدرجة الاولى الى أمريكا وبريطانيا أي، لمن لا يعلم، الى البلدين اللذين ساهما بقصف وتخريب المدارس والجامعات. وعقود بناء المستشفيات التي يقسم المواطنون بانهم، خلال العشر سنوات الماضية، قلما رأوا مستشفى حكوميا جديدا تم اكمال بنائه، تم منحها الى ذات الغزاة الذين قصفوا المستشفيات وساهموا، بشكل او آخر، في تصفية العراق من اطبائه وعقوله.
بلا شك، تشكل عقود شراء السلاح مجالا خصبا للفساد وشراء الذمم واسكات اصوات الاحتجاج على سياسة النظم القمعية في العديد من البلدان، لكن البلدان العربية اصبحت متميزة بين اقرانها من الدول المتعاقدة على شراء الاسلحة بانها لا تشتريها لاستخدامها ضد عدو بل اما كمكافأة اقتصادية للدول المصنعة للسلاح أو تعويضا ل ‘خسائرها’ عند غزو واحتلال بلدان عربية أخرى كما تفعل
السعودية أو لاستخدامها ضد ابناء شعبها كما يفعل نظام المالكي.
لشراء الذمم والسكوت على ارتكاب النظام الجرائم ضد شعبه، تم دفن فضيحة صفقة شراء الاسلحة الروسية، على الرغم من توفر الادلة على الفساد وتبادل غنيمة السمسرة، وأعلن عن استمرار اجراءات شراء بقيمة تزيد على 4 مليارات دولار. لتكون الحصيلة في صالح الطرفين حسب سياسة ‘أطعم الفم تستحي العين’. لم لا واموال النفط المهربة الى حسابات ساسة ‘العراق الديمقراطي’ لا ينافسها بالكمية غير دماء العراقيين السائلة!
وفي الوقت الذي تتسرب فيه اخبار عقود الفساد في البناء وتبليط الشوارع والتزود بالكهرباء والحصة التموينية، مثالا لا حصرا، عبر مهاترات وتهديدات الفضح وفتح الملفات بين الساسة واعضاء البرلمان، انفسهم، يسعى النظام، بين الحين والآخر، الى الاعلان عن عقود اخرى لأسباب عدة من بينها الترهيب والترغيب. فقد ثابر ساسة النظام، في الاسابيع الثمانية الاخيرة، ومنذ اندلاع انتفاضة الانبار، على التأكيد بمناسبة وبدون مناسبة على تصريحات الادارة الامريكية ووزارة الدفاع (البنتاغون)، بشكل خاص، حول قرب تزويد او الموافقة على تزويد النظام باسلحة وتقنية عسكرية متطورة لـ’محاربة الارهاب’. يقع تضخيم هذه الانباء او حتى استمرارية التصريح بها ضمن باب الاعلام الدعائي لترويع المساهمين بالانتفاضة. وقد اثبتت الاسابيع الاخيرة فشل هذه السياسة وتهاوي اكثر الاسلحة تطورا امام مقاومة المنتفضين. اما الوجه الثاني للاعلان عن الصفقات فهو ترغيب دول الاحتلال وغيرها بالتنافس على توقيع الصفقات مع النظام. لذلك، قام رئيس الوزراء البريطاني بتعيين السيدة أيما نيكلسون كمفوضة تجارية، لتتمكن بحكم علاقتها الجيدة مع ساسة النظام الحالي، من التنافس والفوز بعقود النفط والسلاح وعدم تركها، كما تذكر في خطاب لها ‘للصين وروسيا’. المعروف ان المفوضة التجارية أيما نيكلسون كانت من دعاة ‘ حقوق الانسان’، والدفاع عن سكان الاهوار والكرد، وعملت بهمة، لامثيل لها، مع المعارضة في الفترة السابقة للغزو للحث على تغيير نظام صدام حسين واحتلال العراق لاقامة ‘نظام ديمقراطي يحترم حقوق الانسان’. وهاهي نيكلسون تصاب بالخرس، كما غيرها، ازاء ارهاب نظام المالكي وخروقات حقوق الانسان المفضوحة.
وبينما يعمل الكثير من الوطنيين سواء في داخل او خارج العراق، مع ناشطين ومنظمات دولية، للمطالبة بالتعويضات من الدول الغازية، لما الحقته من خراب بشري واقتصادي، يقوم نظام المالكي، بمنح قوات الاحتلال التعويضات بشكل مباشر (توقيع الصفقات) وغير مباشر (توفير فرص العمل لشركات العمالة الاجنبية)، وغيرها. حيث بلغت قيمة عقود السلاح الموقعة بين نظام المالكي وامريكا، حتى منتصف 2013، حوالي 12 مليار دولار. كما اعلنت مصادر عسكرية امريكية عن حصول شركة ‘مايكل بايكر انترناشيونال’ الأمريكية، منذ ايام، على عقد بقيمة 838 مليون دولار لتهيئة قاعدة بلد الجوية لتكون جاهزة لاستقبال طائرات ‘اف 16′ الامريكية التي تعاقد عليها النظام.
ان موقف المالكي يماثل الى حد التطابق مطالبة باقر الحكيم، حين كان الامين العام للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية (تغير الاسم فيما بعد)، بتعويض الحكومة الايرانية (انتبهوا ليس الحكومة العراقية) جراء خسائرها في الحرب العراقية الايرانية. وهي سابقة لا تذكر لزعيم حزب يدعي الوطنية. ويبدو ان ذات النسغ ‘الوطني’ يتصاعد في عروق المالكي وبقية مسؤولي النظام، اذ ها هم يتلقون ذات المعاملة التي تلقاها الادارة الامريكية من ناحية تقديم التعويضات عبر عقود السلاح. اذ اعلن محمد مجيد الشيخ، سفير
ايران لدى العراق، في مقابلة مع وكالة انباء تسنيم الايرانية أن ‘العراق قد وقع اتفاقية مع الجانب الايراني لشراء اسلحة ومعدات عسكرية… وان وزارة الدفاع العراقية تعتبر المعدات العسكرية الايرانية فعالة جدا وانه من الضروري تجهيز الجيش العراقي بمعدات عسكرية ايرانية الصنع′.
اذا أخذنا بنظر الاعتبار تأكيد بيان وكالة التعاون من أجل الدفاع والأمن الامريكية المكلفة ببيع أسلحة إلى الخارج أن مشروع بيع الاسلحة المتطورة الى العراق’ يدعم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة’، والمشروع الايراني، هو الآخر، لدعم المصالح الاستراتيجية لايران، فمن الذي سيدعم المصالح الاستراتيجية للعراق ؟
‘ كاتبة من العراق