الجواهري – قصيدة ليث الصندوق
ليث الصندوقسُحُبٌ تعبقُ منها رائحةُ البنجِ
وتحومُ عليها في أثواب العملياتِ شياطين
سُحُبٌ منطرحاتُ مثل الجُثثِ العفنةِ
تُمطِرُ قُطناً مَنقوعاً بالطين
أنفاسُ العشاق تُعبّأ للذكرى
في أكياسِ الدم الفاسد
الطرقاتُ على جسدِ المنفى شرايين
تنهشُها أنيابٌ جائعةٌ ، وسكاكين
حيرانَ يُحدّقُ بالأوجُهِ
أو يسحبُ رجلينِ مُسَمّرتينِ على لوح الأنواء
ليس له أنْ يجتازَ دروبَ المنسيين
أو يهرَبَ من أقفاص الأخطاء
أو يلقى في المترو المجهولين من الموتى
بقناعٍ ، أو أسماء
في يمناه سيفٌ من خشبٍ
والليل الموحشُ أشباحٌ وطواحين
حينَ رحلتَ إلى الغربة
إنتهزتْ دائرة الطبّ العدليَ شيوعَ الظلماء
كي تبترَ أجسادَ الأقمار وتعرضها في السوق السوداء
الكل تلاشى
يحمل في الصُرَةِ أصواتَ الأجدادِ
ويسافرُ ممتطياً سُحُباً من نارٍ وبخار
حتى الشعراءُ نمَتْ في الأقدام لهم أجنحة ٌ
فارتحلوا يتّجِرونَ بنجماتِ القطب سبايا
في المنفى وإماء
لم يعُدِ الليلُ يحدّقُ بعيون أبوّتهِ
او ينشدُ الحانَ الأجسادِ المحمومة
فعلى فُرُشِ الحُبّ نَمَتْ أظفار
ألقيثاراتُ هياكلُ أمواتٍ
نهشتها ذؤبانُ النار
والملويّاتُ تنحّتْ
أو قُلْ حلّتها مِن بَرْمٍ أسنانُ التَذكار
ظلتْ اشجارُ الخوف سنيناً تُقطرُ سُمّاً
ماتَ الجسرُ
وَوُريَ مثلَ بقايا اللذة في الرعشات
والنهرُ الفائضُ أشواقاً
حَوّلَ مجرى الدمع إلى الطرقات
واتخذ سُكارى الحانات مناضدَها جُزُراً
وكراسيها طوّافات
سَبَحوا حيناً
غطسوا حيناً
وخيولُ الأمواج تدوسُ على الهامات
واخيراً ، وصلوا للضفة الأخرى من نهر الحسرات
بينا النادلة ُالحسناءُ بزورقها حَيرى
هل تنقذُ من غرقوا في الكاسِ ؟
ام مَن غرقوا في مُقلتِها ؟
ام تنفضُ غرقى الحالين لتستوفي أجرَ الخمّار ؟
بعدَكَ لم تبرَأ من عاهات الصمتِ الأوتار
فلقد ركبَ الشعراءُ سُحاباتِ الحُزن ،
وذابوا في قَدَح الأمطار
{ {
حينَ رحلتَ إلى الغربة
كنا نرحلُ نحوَ الموت
لا فرقَ إذن بين رحيلكَ ، أو ميتتنا
فكلانا لن يُبصرَ شمساً
ما دمنا نغطسُ في القار
تنزفُ من أعماق حنينكَ
مذ ادمنتَ على قضم سكاكين الأخبار
ألألافُ تُشَدّ كأوتار دامية في قيثار
جوقة سبطانات تنشدُ في الغرف المُسدلة الأستار
هاماتٌ تدّحرجُ تحتَ الأقدام
والعازفُ يعزفُ فوقَ الأجسادِ الغضّة بالأظفار
دكتاتورٌ تاجَرَ في اسواق خسائرهِ بالأورام
همهمة ضباع
تقضمُ في صَحْن الضوء الخافتِ عَظمَ الأقمار
وطنٌ يُشبهُ جوفَ الحوتِ
أحلامٌ للبيع ، وأخرى للإيجار
شعبٌ يغرقُ في قدح الشاي
والشاربُ ينفخُ مُنتشياً
إذ تتحوّل أجساد الغرقى لبخار
{ {
في منتصف الدرب تلاقينا
أعطيناكَ مفاتيحَ محبتنا
أوصيناكَ بأن تغلي قِدرَ الأشواق
من بين المنفيين تخيّرنا قلبَكَ
نودعُ فيه مفاتيحَ الأسرار
ثقةً منا
أنكَ وحدكَ مَن يأذنُ للغيمة بالإمطار
كنا مثلَ الشَجَر العاري
نرجفُ في فصل الإيراق
لكنكَ في صُرّة حزنكَ
كنتَ ترُصّ قلوبَ ملايين العُشاق
{ {
غيماتٌ كقناني زجاج
تكسرها فوقيَ مطرقة ٌهوجاء
فتبللني بالصمغ
وتُجمّد في عينيّ الأشياء
بعدَ أن امتلأ الأفقُ قبوراً
وأخاطَ َالموتُ عيونَ الأحياء
أنظرُ للمدن المبنيةِ بعظام الموتى
وأقولُ : تُرى
من أضرم في الشجر النارَ ؟
وألبَسَ في قدم المُخبر تاجَ الجوزاء ؟
مَن جرّدني مِن عينَيّ
وعوّضني بعصاً عمياء ؟
صُلبانٌ كالشجر الموحش تنمو مِن لحم الساحات
وظلالٌ كالحِبر الأسود
تصبغُ أردية َالطُرقات
كان الجسرُ هناك
وكانتْ أحداقُ المَهَوات
مثلَ الثلج تَذوبُ ، وتُشربُ في كاسات
سُحُبٌ للفُندُق تحملني بقطار من ماء
سُحُبٌ تُمطرُ حسناواتٍ بعيون خضراء
سُحبٌ تجرفُ ذاكرتي
فأقلّبُ بحثاً عن ايامي الحلوةِ في أمتعة النزلاء
في دنيا الموتى أحسُدُ ( مقبرة َالغرباء )
فلقد أيقظ َنومُكَ فيها الأموات
ألغرباءُ أشاحوا عني
غطسوا كفقاعاتٍ في كأس الألام
وحدكَ أنتَ بقيتَ تُحلي بالشِعر كؤوسَ الأيام
وحدكَ حينَ أنامُ تهدهدني
فمفاتيحُ جفوني في جيبكَ دوماً
تفتحها كي تودعَ فيها ماساتِ الأحلام
{ {
ذاتَ مساءٍ
سيقودُ الوطنُ المنكوبُ ملايينَ النجماتْ
سيراً نحوَ دِمشقَ على الهامات
يقرأ فاتحة َالقرآن ِ
ويُخرجُ من قبر الشاعر جُثتَهُ
كي يَدفنَها في الحَدَقات
روابط ذات صلة:22574