زوجته كادت تكشف المؤامرة باعلانها عن بيع أثاث بيتها… واشارة الفرار كانت أغنية لصباح
48 عاما على هروب طيار عراقي بطائرة ميغ الى إسرائيل وموته ندما على خيانته
August 11, 2014
الناصرة- «
القدس العربي» من
وديع عواودة: كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة المزيد من تفاصيل عملية جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية «الموساد» تهريب طائرة «ميغ 21» الروسية الصنع من
العراق « قبل 48 عاما.
في برنامجه «الوجه الحقيقي» واسع الشهرة استعاد الصحافي أمنون ليفي بالقناة العاشرة ملابسات مأساة الطيار العراقي منير ردفا الذي خان وطنه بهروبه بطائرة « ميغ 21 «، فخر الطائرات السوفييتية المقاتلة وقتها، من مطار مجاور لبغداد إلى مطار حتسورالإسرائيلي شمالي
فلسطين مقابل 50 ألف دولار وراتب شهري له وأسرته.
ووفق ما نقلته القناة العاشرة استنادا إلى الأرشيفات الإسرائيلية ومقابلات مع مسؤولين عسكريين سابقين، بدأ التفكير بالعملية في لقاء جمع قائد سلاح الجو في حينها عازر وايزمان مع رئيس الموساد مئير عميت في نيسان/ ابريل 1965، وفيه سأل الثاني الأول: هل لديك طلبات ألبيها لك؟ فقال وايزمان مبتسما: أريد طائرة ميغ 21. وبالفعل تم توكيل المهمة لمسؤول في الموساد يدعى رحافيا فاردي وممثل الجهاز في
طهران يعقوب نمرودي وعميله في العراق وهو رجل أعمال يدعى يوسف شماش. وكان شماش على صلة غرامية مع فتاة عراقية شقيقتها زوجة طيار في سلاح الجو العراقي يدعى منير ردفا الذي أبدى مشاعر إحباط من التعليمات التي كانت تصدر من قادته لقصف مواقع مدنية للأكراد شمالي العراق.
وبحسب البرنامج التلفزيوني الذي كشف صورا تلفزيونية من الأرشيفات للمرة الأولى فقد استغل شماش العلاقة الاجتماعية وبدأ يعزف على مسامع ردفا حول التعامل العربي الظالم مع أبناء الأقليات، واكتشف أنه وجد آذانا صاغية فواصل مهمته حتى نضجت اللحظة وأبلغه أن جهاز استخبارات غربيا معني بطائرة ميغ 21 فوافق على ذلك. ومن أجل توفير تبريرات لسفره خارج العراق تم استغلال مرض شقيقة زوجته وحاجتها للعلاج في أوروبا فقدم طلب إجازة من الجيش لمرافقتها لأنه يتقن الترجمة من الإنكليزية. وحصل اللقاء الأول مع الطيار العراقي في أحد مقاهي أثينا وكان رئيس الموساد بنفسه يجلس على طاولة مجاورة ليعاين بنفسه الهدف الاستخباراتي، وخلال اللقاء معه كشفوا له أن الحديث يدور عن الموساد وعن تهريب الطائرة لإسرائيل وعرض عليه المبلغ المذكور. وكان مندوبو الموساد مخولين لمضاعفته لكنه رضي بما عرض عليه، واتفق مبدئيا على «الصفقة» وعلى ضرورة إبقائها طي الكتمان الشديد. وفي لقاء لاحق تم إقناع ردفا بزيارة إسرائيل كي يتعرف على المكان وبالتنسيق مع قائد شعبة الاستخبارات الجوية شايكابراكات. وقبل هربه مع الطائرة هربت أسرته من بغداد إلى أوروبا في التاسع من آب/أغسطس ،1966 وكادت زوجته بتصرف غير مدروس أن تكشف المؤامرة. ويستذكر أحد قادة الموساد في البرنامج التلفزيوني أن زوجة الطيّار أعلنت عن بيع محتويات وأثاث بيتها، فكاد رجال الموساد أن يمرطوا شعر رؤوسهم خوفا من فشل العملية».
وسبقت عملية الإقلاع الأخيرة من بغداد تحضيرات تفصيلية مع الطيار واتفق معه على مسار الطيران وتخفيض ارتفاعه فوق الأراضي الأردنية هربا من جهازي الرادار السوري والأردني وعلى التنازل عن الصواريخ المقاتلة وهي فوق صحراء الأردن لتخفيف حمولتها كي يكفيها وقودها لبلوغ الهدف مباشرة.
كما تم الاتفاق على سلة رسائل مشفرة بين الطرفين ومنها إبلاغ إسرائيل للطيار بالموعد المحدد للطيران من خلال بث أغنية «مرحبتين مرحبتين» للمطربة صباح، عبر صوت إسرائيل بالعربية ثلاث مرات باليوم المحدد. وفي الرابع عشر من مثل هذا الشهر عام 1966 طار ردفا بطائرة الميغ 21 التي كانت وقتها مصدر رعب جيوش
الغرب لكنه سرعان ما اضطر للهبوط بسبب عطل تقني، وبعد يومين طار بها وخلال ساعة كان قد وصل من بغداد إلى إسرائيل وكانت تنتظره طائرتا ميراج إسرائيليتان قادهما الطياران ران بوكر وشموئيل شيفر اللذان لم تتم مشاطرتهما بالسر، واقتصرت مهمتهما على مرافقة الطائرة العراقية إلى مطار حتسور العسكري. وحرص الموساد على اختلاق رواية رسمية مفادها أن الطيار العراقي ملّ الحياة في بلاده. وتعاون ردفا معه لتعميم ذلك بتوقيعه رسالة مفبركة عرضت في مؤتمر صحافي في تل أبيب.
وتكشف القناة العاشرة أن زوجة الطيار لم تكن تعرف بخطة زوجها وعندما صارحها أحد قادة الموساد في أوروبا بالموضوع كادت تصاب بانهيار عصبي، وعندما التقت زوجها فور هبوطه في إسرائيل لامته بشدة وسط صراخ مرتفع.
ومنحت إسرائيل لردفا وزوجته وولديهما جوازات سفر وهوية مزورة ووفرت لهم مرتبا شهريا وبيتا شمالي تل أبيب، وساعد سلاح الجو الإسرائيلي على دراسة الطائرة وامتيازاتها وقدم لهم مرشدا مكتوبا حول خصائصها احتاط عليه قبل أن يقلع من بغداد. كما ساعد ردفا في صيانة الطائرة وقام طيار التجارب بسلاح الجو الإسرائيلي داني شبيرا بقيادتها في رحلات تدريبية شملت مناورات للقتال بينها وبين طائرات معادية. واكتشف سلاح الجو الإسرائيلي أن الميغ 21 تتمتع بقدرات فائقة على المناورة وبسرعة هائلة لكن رؤية الطيار محدودة وهو بخلاف مقاتلات من نوع آخر لا يستطيع أن يرى كثيرا من الجوانب والخلف. وتؤكد القناة العاشرة وعلى لسان مسؤولين عسكريين إسرائيليين كثر تحدثوا بالبرنامج أن الميغ 21 العراقية زودتهم بمعلومات حساسة وهامة جدا حول امتيازاتها وحول نقاط ضعفها.
وسلمت إسرائيل الميغ 21 للولايات المتحدة لثلاثة شهور لمعاينة أهم طائرة قتالية لدى جيش عدوها الأول،الجيش السوفييتي. وقال رئيس الموساد الأسبق إفرايم هليفي إن العملية عززت لأبعد الحدود العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل علاوة على زيادة هيبة الأخيرة بنظر دول الغرب التي عجزت مخابراتها عن هذا الصيد الاستخباراتي الثمين».
لكن ردفا وأسرته خاصة الزوجة، لم يتمكنوا من التكيّف مع البيئة الجديدة فغادروا البلاد إلى كندا بعد ثلاث سنوات وهناك رتّب له الموساد عملا جديدا كمدير لمحطة وقود، وعاش وأسرته بسرية بالغة وبحالة خوف دائم كما أكد المسؤول عن الاتصال معهم من قبل الموساد. وقال مسؤولو الموساد إن ردفا ظل مكتئبا حتى مات بالسكتة القلبية داخل منزله في الشهر ذاته الذي تمت به عمليته (شهر آب/ أغسطس 1998).
يشار أن فيلما أمريكيا (سرقة السماء) قد تناول قصة الطيار العراقي منير ردفا الذي قال عنه مئير عميت رئيس الموساد الأسبق إنه ضحية و»بطل تراجيدي»، مشددا على أنه ظل يشعر بالخزي وتأنيب الضمير حتى انكسر قلبه ومات.
وعن ذلك قال مقدم البرنامج الصحافي البارز أمنون ليفي موجزا البرنامج : «كان منير ردفا طيارا متألقا ومحترما بين أهله وفي وطنه وحتى في إسرائيل حظي باحترام، لكنه عندما كان يحدق بالمرآة كان يرى خائنا وهذه مأساة كبيرة، فهذا ما شاهده أيضا ولداه وزوجته التي ماتت قبل ثلاث سنوات وتعرضت هي الأخرى لمقاطعة كل عائلتها وأقربائها ولذا فهي لم تسامحه يوما».