داعش والقاعدة يتنافسان على زعامة الإرهاب مراقبون يكشفون أن القاعدة الأم فقدت عددا من ممثليها ضمن المحاربين القدامى في أنحاء العالم وهو ما ساعد الدولة الإسلامية في تجاوز التنظيم. العرب
[نُشر في 17/10/2014، العدد: 9710، ص(7)]
الاستعراضات العسكرية لـ'داعش' كشفت إمكاناته التي تتجاوز القاعدة
واشنطن- يرى الباحث الأميركي كلينت واتس أن المعطيات الموجودة في ساحة الصراع اليوم تشير إلى “تقدّم” تنظيم الدولة الإسلامية على باقي التنظيمات الجهادية، وفي مقدّمتها التنظيم الأم، القاعدة. ويشير واتس، في دراسته التي صدرت عن معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي، إلى أنّ التغيرات الحاصلة اليوم في منطقة الشرق الأوسط لم تطل المشهد الجغرسياسي فحسب، بل تجاوزته لتخوض في أتون أيديولوجيات التنظيمات الجهادية ذاتها (خاصة القاعدة وداعش) وتكشف عن سباق “مستحدث” فيه من الغرابة ما يجعل الفوز بريادة الإرهاب وتزعم عمليات سفك الدماء، هدفا يتنافس عليه المتنافسون.
بدأ صعود تنظيم “داعش” في صيف 2013، لكنه أصبح واضحا تمام الوضوح في الربيع الماضي. فقد أسفرت خطة أيمن الظواهري الانتقامية لمعاقبة فرع من القاعدة ناقم وعنيد إلى نتائج عكسية، إذ أدّى الصراع العلني بين “داعش” و”جبهة النصرة” – أهم ذراع للقاعدة في سوريا- وشركائها في الجبهة الإسلامية إلى تقوية “داعش” في عيون المساندين للجهاد العالمي، وفي الوقت نفسه أضعف جاذبية القاعدة.
ماهي السيناريوهات التي كانت محتملة؟ وفي مارس من سنة 2013 طُرحتُ ثلاثة سيناريوهات عمّا يمكن أن تكون عليه ساحة الإرهاب في المستقبل على إثر فترة من الحرب الأهلية بين الجهاديين. وكانت هذه السينايوهات كالآتي:
*الأوّل؛ أن تعوض “داعش” تنظيم القاعدة في منصب زعامة الجهاد.
*الثاني؛ أن يصبح هناك تنافس مستدام بينهما وأن تنتشر الحرب الأهلية الجهادية إلى العراق ولبنان ومناطق أخرى.
*الثالث؛ أن يحدث ذوبان في فروع إقليمية، أي أن تتشعب المجموعات الجهادية الإقليمية المترددة في قرار مساندة “داعش” أو القاعدة، مع المحافظة على روابط فضفاضة، وتعمل بشكل مستقل.
كيف توزع الدعم الشعبي للجهاديين؟سيناريوهات ساحة الإرهاب في المستقبل: ◄ أن تعوض "داعش" تنظيم القاعدة في منصب زعامة الجهاد.
◄ أن يصبح هناك تنافس مستدام بينهما وأن تنتشر الحرب الأهلية الجهادية في مناطق أخرى. ◄ أن يحدث ذوبان في فروع إقليمية تعمل بشكل مستقل.
ستة أشهر بعد إعداد السيناريوهات الثلاثة سالفة الذكر، ارتفعت نسبة مساندة “داعش” في كافة أنحاء المنطقة بشكل كبير. وتوزّع الدعم الشعبي للجهاديين بين القاعدة و”داعش” كالآتي:
* شمال أفريقيا والساحل: تونس وليبيا، على وجه الخصوص، كانتا المرشحتين الأساسيتين لدعم “داعش” في شمال أفريقيا، ويلاحظ أن شبكات المقاتلين الأجانب الليبية والتونسية الذين توجهوا إلى العراق خلال الفترة الممتدّة بين 2003 و2008 ساهموا في تقوية “داعش” اليوم بشكل كبير.
كما أنّ “مجلس الشورى للشباب المسلم” في درنة الليبية كان قد أعلن ولاءه، مؤخّرا، لـ”داعش” بينما اختارت كتيبة “شهداء أبو سليم” عدم إعلان الولاء لأيّ طرف جهادي. (الافتراض المطروح هنا هو أنّ مجلس الشورى للشباب المسلم يضم الكثير من المقاتلين العائدين من سوريا والذين كانوا يقاتلون في صفوف داعش، أمّا تنظيم شهداء أبو سليم فقد يكون فيه أعضاء قدماء من القاعدة غير متأكدين من الطريق التي سيسلكونها).
من جهة أخرى، يبقى “تنظيم القاعدة في المغرب العربي”، الموجود في منطقة الساحل، وفيا لتنظيم القاعدة الأم، حيث سبق أن نشر هذا التنظيم دعوة مشتركة للوحدة مع “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية” الموجود في اليمن. هذا وتبقى مجموعة “المرابطون”، بقيادة مختار بن مختار، ملتزمة بالقاعدة نهجا وتنظيما أيضا.
ويتوقع مراقبون في هذا الصدد، حدوث الكثير من التغيرات على مستوى إعلان الولاءات بين القاعدة و”داعش” في هذه المنطقة في الأشهر القادمة، مع إمكانية أن تختار مجموعات عديدة عدم إعلان دعمها لأيّ فريق.
* المشرق والجزيرة العربية: التغيرات الحاصلة في المنطقة تشق صفوف الجهاديين
تبقى هذه المنطقة هي الميدان الرئيسي للمعركة في قلوب الجهاديين وعقولهم. ورغم أنّ “داعش” يستهوي أغلبية المجاهدين الأجانب القادمين إلى سوريا، إلاّ أنّ جبهة النصرة تبقى قوة مهمة في المعركة القائمة منذ ثلاث سنوات ضدّ نظام الأسد.
وبالنسبة إلى الجهاديين في المنطقة أصبح القرار الآن متعلقا بـ”الأولويّات التي تكتسي أهميّة أكثر من الأخرى في الوقت الراهن: القتال ضد قوات الأسد في غرب سوريا أو محاربة الائتلاف بقيادة الولايات المتحـدة فـي شرق سوريا وغرب العراق ؟”
وفي هذا السياق، يرى مراقبون، أنّ غالبية الجهاديين يشعرون بالميل أكثر إلى الانضمام إلى “داعش” لمحاربة مجموعة من الأعداء عوضا عن التركيز على قتال قوات الأسد فقط.
أمّا في الجزيرة العربية، فالمعركة الأهم هي تلك التي تدور الآن حول الاستقطاب بأشكال متنوعة ومختلفة بين “داعش” والقاعدة.
لقد استفاد “داعش” من مساندة مهمة من قبل المقاتلين الذين قدموا من جزيرة العرب، ورغم أنّ بلدانا عديدة ذات ثقل إقليمي في المنطقة تمكنت من إحباط مؤامراته، إلاّ أنّ احتمال تمتعه بالتبرعات مازال قائما.
احتمال آخر وارد يفيد بأنّ “داعش” يتمتع بتبرعات تتجاوز بكثير التبرعات الموجهة إلى القاعدة، لكنّ هذا لا ينفي أنّ فرع القاعدة في جزيرة العرب يبقى أقوى فروع التنظيم، ويمثّل الثقل المقابل لـ”داعش”، التي يبدو أنها بسطت سيطرتها شبه الكاملة على المساندة من الجهاديّة.
* جنوب آسيا: قد لا تمتلك القيادة العليا المتبقية للقاعدة إلا نفوذا قليلا في جنوب آسيا. بعد أن وجد الظواهري لنفسه حظوة لدى طالبان لأكثر من عقد من الزمن، يرى مراقبون أنها بدأت تتآكل الآن، وربما لن يجد هذا الزعيم الجهادي في تلال باكستان موطئ قدم في المستقبل المنظور.
كما يمكن أن تكون الدعوات المزعومة لأعضاء من طالبان لمساندة “داعش” والتقارير التي تفيد بانتداب “داعش” لمقاتلين في بيشاور، وراء دعوات الظواهري التي حثّ فيها، مؤخرا، على تأسيس فرع للقاعدة في الهند، وهي حيلة تهدف إلى تأمين تبرير وجود القاعدة واستمرار حماية طالبان لها عن طريق المشاركة في قضية محلية من شأنها أن تحيي علاقات القاعدة في باكستان في وقت تجاوزهم “داعش” بـ”الأمجاد” التي حققها.
* جنوب شرق آسيا: بعد التخوفات والهبات الأولية للنشاط المضاد للإرهاب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، ركنت المجموعات الجهادية في جنوب شرق آسيا، المرتبطة بالقاعدة، إلى السبات في الفترة الممتدّة بين سنتي 2006 و2008.
أمّا الآن فقد استفاق الجهاديون في كلّ من أندونيسيا وماليزيا والفيلبين من سباتهم مستلهمين من سعي “داعش” إلى إقامة “دولة الخلافة”، وممارسة هذا التنظيم لمستويات عالية من العنف. ومن ثمّة زادت عمليات الخطف للمواطنين الغربيين وارتفع انتداب المقاتلين في أندونيسيا لفائدة “داعش”. وبالنظر إلى هذه المعطيات، يرى مراقبون أنّ منطقة جنوب شرق آسيا يمكن أن تصنّف من دون شك كمناصرة لـ”داعش”.
* البلقان والقوقاز: - اقتباس :
- رغم أن "داعش" يستهوي أغلبية المجاهدين الأجانب القادمين إلى سوريا، إلا أن جبهة النصرة تبقى قوة مهمة في الموازنة
أدى الصراع في سوريا –أكثر مما سبقه من الحملات الجهادية السابقة في العراق وأفغانستان- إلى حشد العناصر الجهادية من كافة أنحاء البلقان والقوقاز، وذلك بإرسال حشود من المقاتلين الأجانب إلى صفوف “داعش”.
وعلى الرغم من أنّ جبهة النصرة هي التي جذبت في البداية فرق المقاتلين القادمين إلى المنطقة، إلاّ أنّ غالبية المساندة الآتية من منطقتي البلقان والقوقاز الآن يُتوقّعُ أنّها تذهب رأسا إلى “داعش” أكثر من غيرها.
* شمال أميركا وأوروبا وأستراليا: على مدى العقد الأخير، تقاطرت على القاعدة أعداد ضعيفة من المقاتلين الغربيين، أمّا اليوم فقد أصبحت القاعدة تحتل الدرجة الثانية لدى هؤلاء الجهاديين، إذ أصبحوا يختارون الانضمام إلى صفوف “داعش” بعد أن زاد عددهم وتضاعف مرّات ومرات. كما سجّلت أستراليا عددا، يعتبر كبيرا وغير متناسب مع عدد سكانها وطبيعتهم، من المنتدبين إلى صفوف “داعش”.
أما الأميركيون الذين لا يمثلون إلاّ عددا قليلا من مجموع المقاتلين الأجانب المتدفقين على سوريا، فقد انضموا إلى “داعش” أكثر من إقبالهم على جبهة النصرة (القاعدة) باستثناء أول انتحاري أميركي في سوريا، والذي كان ينتمي إلى النصرة عندما نفذ عمليته الانتحارية.
* شرق أفريقيا: حسابات مواقع الاتصال الاجتماعي الأفريقية الشرقية، كثيرا ما يمجد ناشطو تلك المنطقة جهود “داعش”، لكن تحكّم “تنظيم الشباب” في الجهاديين المحليين في الصومال وفروعه في كينيا، جعل الولاء إلى القاعدة مستمرا. حيث أكدت هذه المجموعة مجددا ولاءها للقاعدة على إثر وفاة أميرها أحمد غودني. ويرى مراقبون أنّ الشيء الذي يدعم التزام الشباب بالقاعدة، هو ارتباطاتهم الوثيقة بفرع القاعدة في جزيرة العرب (في اليمن) الذي يبقى ركيزة الولاء للقاعدة بالنسبة لهم.
*اليمن: تكافؤ المساندة بين القاعدة وداعش إذا افترضنا تنظيم انتخابات بين القاعدة و”داعش”، لتعادلت الأصوات المساندة لكلا الطرفين في اليمن. ويعود سبب حفاظ القاعدة على زخمها في هذه المنطقة إلى عوامل عدّة، أهمّها قيام الظواهري، في الصيف الماضي، بتعيين ناصر الوحيشي زعيم القاعدة في جزيرة العرب نائبا له على المستوى الدولي، وهذه حركة استراتيجية فيها من الدهاء الكثير، يهدف منها إلى توفير ركيزة دعم للقاعدة بالتزامن مع صعود “داعش”.
ويمثل ولاء فرع القاعدة في الجزيرة العربية إلى التنظيم الأم، الحصن الأخير أمام تجاوز “داعش” الكامل للقاعدة وبالتالي الحوز على صفة الزعيم العالمي للجهاد. كما أنّ لفرع القاعدة في جزيرة العرب دورا محوريا وأساسيا في توجيه فرع القاعدة في المغرب العربي، العامل بمنطقة الساحل الأفريقي، كما أنه يعدّ الموجّه المباشر لحركة الشباب في الصومال.
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أنّ تغيير تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لولائه أو انسحابه تماما من النزاع، لن يبقى في تنظيم القاعدة الأم غير عدد قليل من الممثلين من بين المحاربين القدامى المنتشرين في كافة أنحاء العالم إلى جانب جبهة النصرة في سوريا، وهي مجموعة ربما ستتساءل حينها؛ لماذا تبقى موالية للظواهري بعد أن تجاوز “داعش” تنظيم القاعدة؟ غير أنّ المراقبين لا يتوقعون تغييرا في ولاء القاعدة في الجزيرة العربية في وقت قريب، ولا يذهب ظنّهم إلى أنّ الوحيشي، العضو القديم في القاعدة، سينكث بعهده مع الظواهري. لكن حتى يبرز “داعش” من دون منافسين يجب أن يغير فرع القاعدة في اليمن موقفه.
وفي هذا السياق، فإنّ السيناريو الآخر الوارد الذي يجب مراقبته هو قيام الوحيشي بتحرك مصيري (على منوال الدعوة أخيرا لتوحيد فرع القاعدة في جزيرة العرب وفرعها في المغرب العربي) لتوحيد صفوف القاعدة و”داعش”، إذا أصبح الوضع عصيبا جدا على التنظيمين المتنافسين.