[color:6fe0=لايوجد]مداخلة نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي الدكتور عبد المجيد الرافعي في الذكرى السابعة والستين لاغتصاب فلسطين شبكة ذي قـار عندما نتوقف عند الخامس عشر من أيار من كل عام، ينشَدُّ تفكيرنا إلى سبعة وستين سنة خلت، يوم أعلنت الحركة الصهيونية قيام كيانها على أرض فلسطين، تحت مسمى "دولة إسرائيل".
هذا اليوم الذي دخل في القاموس الصهيوني، تحت عنوان "إعلان الاستقلال"، كان بالنسبة للفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، "إعلاناً رسمياً" لاحتلال قسمٍ من فلسطين، وما ترتب على ذلك من نتائج وطنية وسياسية واجتماعية وإنسانية.
هذا اليوم الذي أُدخل في القاموس الفلسطيني، واستطراداً العربي باسم النكبة، شَكّلَ محطة مفصلية في التاريخ العربي الحديث، بحيث انطوت معه صفحة من الصراع على الوطن العربي وفيه، وبدأ التأسيس لمرحلة جديدة تقاطعت فيها معطيات الواقع العربي بكل تناقضاته مع الواقع الدولي الذي دخل منذ ذاك الحين، مرحلة توضيح معالم نظام دولي جديد حُكم بقاعدة الثنائية الاستقطابية لأكثر من ثلاثة عقود.
إن الإطلالة على الظروف والمعطيات التي أدت إلى إنشاء هذا الكيان الغريب في قلب الوطن العربي، يقطع دابر الشك باليقين حول طبيعة العلاقة التحالفية الصميمية بين مشروع الحركة الصهيونية ومشاريع القوى الاستعمارية، وخاصة المواقع المقررة فيها.. والتي بدأت مع وعد نابليون بحق اليهود بإقامة كيان يهودي في فلسطين، وانتقلت إلى بريطانيا يوم كانت القوة الدولية الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية، وهي اليوم تستقر في الحضن الأميركي باعتبارها القوة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في إدارة السياسة الدولية بعد تهاوي النظام الدولي السابق.
وعلى هذا الأساس فإن إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين لم يأتِ تلبية لرغبة صهيونية وحسب جرى التعبير عنه في المؤتمر الصهيوني الأول في بال 1896، بل جاء أيضاً لحاجة استعمارية. ويكفي تسليط الضوء على توصيات ما عُرف بمؤتمر بانرمان رئيس وزراء بريطانيا. عام 1907، عندما دعا خبراء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والاستراتيجية لدراسة ومعرفة مكامن الخطر على الإمبراطورية البريطانية والدول التي كان لها مستعمرات لتبيان مدى الترابط بين الحركتين الصهيونية والاستعمارية.
لقد جاء في التوصية المرفوعة من المؤتمرين ما يلي: "على جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه يعيش شعب له من وحدة الأرض والتاريخ واللغة والدين والأهداف والمصالح المشتركة كل مقومات التوحد والترابط والتقدم، وهنا يكمن الخطر على الإمبراطورية البريطانية وسواها فيما لو توحد هذا الشعب، وعليه يجب العمل بسرعة لدرء الخطر الكامن في هذه المنطقة، وذلك بزرع جسم غريب في قلبها يكون عدواً لسكان المنطقة وصديقاً لبريطانيا وحلفائها، وأن يكون على الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا وعلى مقربة من قناة السويس الشريان الحيوي لأوروبا والطريق الأقصر والأسهل إلى المياه الدافئة."
استناداً إلى هذه الوثيقة يتضح، أن اختيار فلسطين لإقامة كيان صهيوني على أرضها لم يكن اختياراً عبثياً، أو بالصدفة بل كان اختياراً هادفاً. ولهذا شكّل النظام الاستعماري رافعة وحاضنة للمشروع الصهيوني، والذي لأجل نجاحه كانت اتفاقية سايكس –بيكو، وإصرار بريطانيا على انتدابها على فلسطين لتوفير الشروط الموضوعية لتمكين المشروع من النفاذ، والذي رأى النور في 15 أيار 1948 وبعد ستة أشهر على قرار التقسيم، وثلاثة عقود على وعد بلفور.
واليوم، وبعد ما يقارب السبعة عقود على الوضع الذي ساد آنذاك وشَرّعت فيه إرادة النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، اغتصاب الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، شَرّعت أيضاً منطق القوة التي فرضت واقعاً مادياً على الأرض، على حساب الحق الشرعي والتاريخي والإنساني، هذه المعطيات ما يزال يُؤسَّس عليها، لإكمال ما بُدِء بتنفيذه وصولاً إلى إكمال احتلال كل فلسطين، ... خسِئوا...، وفرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها، وتثبيت مشروع الحركة الصهيونية باعتبار كيانها هو دولة كل يهود العالم بالهوية القومية والانتماء المعتقدي الديني.
إن هذا الذي تسعى إليه الحركة الصهيونية لتكريس يهودية الدولة، تريد تكريسه بانتزاع اعتراف فلسطيني به أولاً، ومن ثم اعتراف عربي ثانياً. وهذا ما يضع جماهير فلسطين التي ما تزال متشبثة بأرضها أمام تحدي عملية "ترانسفير جديد"، تُستحضر من خلالها مشهدية ما جرى إبان وقبل إقامة الكيان الغاصب، وما يترتب عليه من نتائج كارثية في استنساخ لنظام "الأبارتيد".
وإذا كانت المناسبة لا تتسع لاستحضار كل المراحل التي عبرتها القضية الفلسطينية لأكثر من قرن من الزمن إلا أننا ما نريد التأكيد عليه في هذه الذكرى الأليمة والتي دخلت قاموسنا تحت عنوان النكبة، هو استحضار المسلمات المبادئ الملخصة بالآتي:
أولاً: أن فلسطين لم تكن مستهدفة لذاتها وحسب، بل وعبرها الأمة العربية بكل قيمها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وبالتالي فإن القضية الفلسطينية بقدر ما هي قضية وطنية هي قضية قومية بامتياز.
ثانياً: انطلاقاً من استهداف فلسطين ببعدها الوطني، والأمة العربية ببعدها القومي، فإن المشروع القومي المقاوم، والذي تشكل ثورة فلسطين رأس الحربة فيه، هو المشروع الوحيد القادر على إنهاء حالة الاستلاب الوطني الفلسطيني، وإعادة فلسطين إلى رحاب أمتها. وعليه فإن مشروع المقاومة هو أولاً وأخيراً مشروع عربي بامتياز ورغم كل ادعاء معاكس.
ثالثاً: أن العدو الصهيوني الذي يحظى برعاية ودعم دولي استعماري غير اعتيادي، لا يستقوي من خلال هذه المعطيات وحسب، بل يوظف عوامل الانقسام الفلسطيني أولاً، والانقسام العربي ثانياً لصالح تقوية مرتكزات عدوانه، وبما يجعل ميزان القوى في حالة اختلال دائمة لمصلحته.
رابعاً: استناداً إلى كون العدو يرى في الانقسام الفلسطيني والعربي أحد مصادر قوته، فإن تجريد العدو من هذه الميزة، لن يكون إلا بوحدة موقف فلسطيني على أرضية المشروع المقاوم، وموقف عربي على أرضية مشروع حاضن لحركة النضال الوطني الفلسطيني، وانطلاقاً من مبدأ أن الكفاح الشعبي بكافة أشكاله هو المؤهل لصهر الإمكانات الوطنية وتوظيف الطاقات القومية، في سياق الاستنهاض الوطني والقومي الشاملين، للحؤول دون الاحتواء السياسي والشعبي في غير مصلحة التحرير.
إننا ونحن نؤكد على هذه المبادئ – المسلمات، فلقناعة راسخة لدينا، بأن الصراع مع الصهيونية بكل تجسيداتها السياسية ومنها الكيان الغاصب، وكل المتحالفين والداعمين والمتقاطعين معها، إنما هو صراع وجود وليس صراع حدود. وبالتالي فإن دولة فلسطين بنظرنا هي الدولة التي تقوم على أرض فلسطين من النهر إلى البحر وعليه فإن على كافة الأطراف، وخاصة الطرف الفلسطيني المنخرط في مفاوضات مع العدو، أن يخرج من وهم المراهنة عن انتزاع حقوق وطنية في ظل ميزان القوى السائد والذي لا سبيل لتعديل نصابه لمصلحة القضية الفلسطينية بما هي قضية تحرير للأرض والإنسان، إلا بالنضال والعودة إلى شعار البدايات التي رافقت انطلاق الكفاح المسلح وعلى قاعدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن ما يجب التأكيد عليه أيضاً، بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية التي نُشدّد عليها هي الأرضية السياسية التي يجب أن تقف عليها قوى الثورة الفلسطينية بكل أطيافها وفصائلها وعبر تظلُّل الجميع بالشرعية التمثيلية التي تجسدها منظمة التحرير الفلسطينية.
وإذا كانت التعقيدات والصعوبات التي تحيط بالواقع الفلسطيني كثيرة، إلا أن عناصر القوة في الموقف الفلسطيني ليست معدومة ليجري الاستسلام لمعطيات توازن القوى، بل إنها قوية بالإيمان والإرادة والصمود، وأن الصراع ليس فقط بين آلة الحرب الصهيونية، وحجارة المقالع، بل هو أيضاً بين ركائز الاستمرار في الكيانات المجتمعية. وأنه أمام تعلق وتجذر جماهير فلسطين بأرضها، وحالة القلق وعدم الاستقرار التي يعيشها الصهاينة، تَبرز معادلةٌ جديدة لتوازن القوى، نصابها إرادة الصمود، وصمود إرادة النضال، لحماية الحق والمشروعية في مواجهات الاستيطان الصهيوني، الذي يعمل على قضم الأرض وهضمها.
وأُنهي مداخلتي باستحضار تعريف الدكتور عبد الوهاب الكيالي للصهيونية بأنها "دعوة عنصرية توسعية، فاشية، دينية، استيطانية، إجلائية مرتبطة نشأة وواقعاً ومصيراً بالإمبريالية العالمية".
لنقول بأن الرد هو بالثورة الشاملة على مساحة فلسطين، كل فلسطين، وعلى مساحة الوطن العربي، كل الوطن العربي، وبانخراط جماهير فلسطين وكل جماهير الأمة في فعاليات هذه الثورة التي هي طريق العرب لتحرير فلسطين وتوحيد الأمة والتي قال فيها القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق بأنه بقدر ما يقترب العرب من توحدهم بقدر ما يقتربون من تحرير فلسطين، فالوحدة طريق فلسطين، وفلسطين طريق الوحدة.
وأختم بمقولة شهيد الحج الأكبر، شهيد البعث والعراق والأمة الرفيق صدام حسين "بأن فلسطين في قلوبنا وفي عيوننا إذا ما استدرنا إلى أي من الجهات الأربع." وهو الذي لم ينس فلسطين في أصعب اللحظات حراجة في حياة الإنسان عندما قال عاشت فلسطين حرة عربية وقبل النطق بالشهادتين.
هكذا ننظر إلى قضية، فلسطين كقضية مركزية للنضال العربي، معها بدأنا مسيرتنا النضالية، ومعها نستمر إلى أن تتحرر من رجس الاحتلال وتعود حرة عربية ، وقبلة نضالية ، لأمة العرب بكل مكوناتها.
وشكراً للمنتدى القومي العربي الذي أتاح لنا فرصة اللقاء بكم وشكراً لحسن إصغائكم.
د. عبد المجيد الرافعي
نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي
رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
طرابلس في ١٦ / أيــار / ٢٠١٥