عبد الباري عطوان
ان تقتحم قوات تابعة لميليشيات طائفية مطار بغداد وتخطف جثمان طارق، عزيز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي السابق، وتنقله الى مكان مجهول تحت سمع الشرطة الرسمية وامنها، فهذه الجريمة البشعة لا يمكن ان تحدث الا في “العراق الجديد” الذي بشرنا الامريكان بأنه سيكون نموذجا، عندما احتلوا العراق بمساعدة حلفائهم العرب، وحكام العراق الجدد قبل عشر سنوات.
نه الحقد في ابشع صوره واشكاله.. الحقد الطائفي البغيض الذي جعل اصحابه يخافون، بل يرتعدون من جثمان انسان لم يقتل بعوضة في حياته، وكان وجها مشرفا لعراق كبير وقوي تهابه جميع دول الجوار، وتخشى من نهوضه وعنفوانه دول عظمى، تأمرت على تدميره، وقتل مليون من ابنائه، واغتيال زبدة علمائه، ونسف قاعدة التعايش فيه.
***
لفقوا له التهم، واصدروا احكاما بالاعدام والسجن في حقه، لانه رفض بكل اباء وشمم ان يخون العراق، وان يتعاون مع الاحتلال الغاشم، وفضل الشهادة في السجن خلف القضبان على ان يكون حرا طليقا في المنافي الغربية او العربية الفارهة.
لا نفهم، ولا يمكن ان نتفهم، ان يقدم اشخاص يقولون انهم ينتمون الى فصيلة البشر، بخطف جثمان انسان قبل نقله الى الطائرة التي كانت ستقله الى العاصمة الاردنية عمان في صحبة زوجته الثكلى، لكي يوارى في ارضها، ووسط شعبها الذي احبه، والذي احب العراق ايضا، وكان من اكثر الشعوب العربية والاسلامية تضامنا معه ومع قيادته، التي رفضت الرضوخ للابتزاز الامريكي، والتخلي عن قضية الشرف والكرامة والمقاومة، قضية فلسطين.
خطف الجثمان وصمة عار على جبين حكومة “العراق الجديد” وحكامه والولايات المتحدة الامريكية التي تدعمهم بالسلاح والتدريب وتفرضهم على الشعب العراقي بالقوة، لكي يحولوا العرق العظيم الى نموذج في الطائفية البشعة.
انهم يخافون طارق عزيز جثمانا، مثلما خافوا من رئيسه صدام حسين، ويرتعدون من ذكراهم، لان هؤلاء يذكرونهم بجريمتهم في حق العراق واهله، والجرائم التي ارتكبوها، ويرتكبونها في حقه، واربعة ملايين طفل تيتموا وفقدوا آبائهم من جراء تواطؤهم مع الاحتلال ومخططاته التدميرية والطائفية ضد العراق العظيم.
نظام حكم يتستر على هؤلاء الطائفيين الحاقدين لا يمكن ان يمثل العراق ويرتقي الى هويته الحضارية، ويحقق طموحات شعبه الصابر الكريم الشهم في العزة والكرامة والتعايش والنهوض.
***
من اقدموا على هذه الجريمة البشعة واللااخلاقية يجب ان يحاكموا، وكل من يقف خلفهم، ايا كانت انتماءاتهم، ومهما بلغت مكانتهم الدينية والسياسية، ان ينالوا ما يستحقوا من عقوبات، اما السيد عزيز فسيظل عزيزا شريفا فارسا، ونموذجا للعراق الذي احبته الامة العربية، والعالم بأسره، وتظاهرت الملايين تضامنا معه في وجه العدوان الآثم.
خروج مئات الآلاف في الاردن، الذين سيشاركون في تشييع جثمان هذا الرجل في الايام القليلة القادمة، باذن الله، في استفتاء على مكانته ومكانتهم، سيقولون كلمتهم، وسيعبرون عن رأيهم تجاه مقترفي هذه الجريمة، والنظام الذي يوفر لهم الحماية والغطاء، للتعبير بأبشع الطرق عن احقادهم الطائفية، ليس ضد السيد عزيز، وانما ضد كل قيم التسامح والتعايش والعدالة والكرامة الانسانية.
لم يستطيعوا النيل منه حيا حرا طليقا يدافع عن بلده العراق وامته العربية، فاستأسدوا عليه وهو معتقل ومريض خلف القضبان، وها هم يستأسدون مرة اخرى على جثمانه، انهم ليسوا عراقيين، ولا يشرف العراق العظيم ان ينتمي هؤلاء اليه وتراثه المشرف في الكبرياء والعزة الوطنية.
ماذا سيفعلون بجثمان هذا الرجل.. هل سينبشون تابوته.. هل سيمثلون به.. هل سيسحلونه.. هل سيقطعون اوصاله.. هل سيعتدون عليه بطريقة غير اخلاقية.. قولوا لنا ماذا ستفعلون بجثة انسان قتله المرض، مثلما قتلته احقادكم.. هنيئا لكم بهذه الجثة، وهنيئا لكم باشباع احقادكم بهذه الطريقة البشعة، التي تزيل القناع عن وجهكم الطائفي الحقيقي.
انه بلد عندما تكون لا حرمة للاموات فيه.. فلا حرمة للاحياء ايضا