(أباطيل الباطل) يكشف حقيقة الحقائق/ عرض كتاب
علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
التخصص واحد من اهم معالم الخبرة والمهارة في كل جوانب العلوم والمعرفة، فهو القاسم المشترك بين العلم والأدب والفنون، والتخصص له قواعد محددة لعل من أبرزها المعرفة الكلية بتفاصيل العمل الذي يتخصص به الفرد، أي المعرفة التامة بجميع مدخلات ومخرجات التخصص، والقدرة على التحليل والإستنتاج والخروج بنتائج منطقية تتوافق مع الحقائق العلمية لتكون مقبولة من قبل الآخرين، ويمكنها أن ترفد عيون المعارف برافد جديد ونافع. لذلك عندما تحصل حادثة ما في مكان ما، تهرع وسائل الإعلام فورا إلى ذوي الخبرة والتخصص لرفد المواطن بمعلومات وافية وكافية عن طبيعة الحدث وتحليله ومعرفة أسبابة ونتائجه. وهناك الكثير من الأمثال العراقية التي نرددها في حياتنا اليومية التي تصب في هذا الإتجاه مثلا" انطي الخبز لخبازته"، و"موكل من سخم إيده كال آني حداد"، وغيرها.
من الكتب الجديدة التي أصدرتها (دار نشر أي ـ كتب) في لندن والتي يترأسها واحد من المع الكتاب العرب والعراقيين الأستاذ (علي الصراف) تم نشر كتاب (أباطيل الباطل) للأستاذ الكبير صافي الياسري، وقد تزامن صدور هذا الكتاب الضخم مع التجمع السنوي الناجح للمقامة للمقاومة الإيرانية في باريس الذي تنظمة سنويا منظمة مجاهدي خلق، وترعاه سيدة الجهاد في العالم الرئيس المنتخبة في المنفى (مريم رجوي).
من المؤكد أن هناك العديد من الكتب التي تناولت المسيرة الجهادية للمنظمة، لكن ليس كل الكتابات يمكن أن تحيط بكل جوانب المنظمة وتكشفها للقاريء الفاضل، إنها مهمة ليست مستحيلة، ولكنها صعبة للغاية وتحتاج الى الكثير من الإطلاع والجهد والمتابعة والقدرة على التحليل والإستنباط. كما أن الصعوبة تكمن في عدة أسباب لعل من بينها المسيرة التأريخية الطويلة والحافلة للمنظمة التي تمتد جذورها الى عقود بعيدة، وجسامة الإنجازات التي حققتها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، علاوة على تطورها الأيديلوجي وإنتقالها من الكفاح المسلح الى النضال السلمي، والنجاحات المثيرة التي حققتها من خلال المؤتمرات السنوية لها في باريس من جهة، والمتابعة المستمرة للرئيسة (مريم رجوي) للأحداث الجارية في دول العالم من جهة أخرى، وتحليل الكثير منها وفق رؤية علمية وواقعية، وإتخاذ موقف عقلاني يَنُم عن دراية تامة بالشؤون الدولية، وعلى العكس تماما من مواقف نظام الملالي المتهرئة والتي تعبر عن عنجهية فارغة، وحماقات فارهة.
يضاف الى ذلك الشطر الجهادي المنفصل حاليا عن المنظمة والمتمثل باللاجئين الإيرانيين في معسكري أشرف وليبرتي، الذي يمثل الصفحة البراقة من جهاد المنظمة على الرغم من المكائد والدسائس التي تُحاك من قبل الحكومة العراقية بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والتي دفع الأبرياء من اللاجئين ثمنا باهضا لها، بإعتبارهم مشمولين بالحماية الدولية وفقا لإتفاقية جنيف الرابعة. لكن الصمود والمجابهة السلمية للاجئين كانا مثار إعجاب العالم في الوقت الذي كان في فيه موقف الحكومة العراقية وحليفها الحرس الثوري الإيراني مثار إشمئزاز الرأي العالم. لكن هذه التضحيات لا تشكل مفاجأة، فشجرة الحرية تُسقى بدماء المناضلين، صحيح هم لا يأكلوا من ثمارها لكن الأجيال القادمة سيأكلون منها، ويترحمون على السلف الصالح.
عندما يكتب الأستاذ صافي الياسري عن مسيرة المنطمة فهو ليس كغيره، لأنه الأكثر دراية وإطلاعا بمجريات الأمور، بل يمكن القول إنه إبن المنظمة البار، الذي إستمر فترة طويلة يدافع عنها في كل المحافل الدولية من جهة، ويفضح نظام الملالي القمعي القابع في إيران من جهة أخرى. إنه ينقل إلينا صورة حقيقية عما يدور داخل إيران وخارجها من أحداث ويحللها بواقعية تامة. لذلك لا نزايد عندما نطلق عليه لقب (علامة) في الشأن الإيراني، ولا يمكن لباحث أن يتناول القضية الإيرانية او على أقل تقدير منظمة مجاهدي خلق دون الرجوع الى كتاباته الكثيفة والمتواصلة في هذا الشأن.
الكتاب ضخم في حجمه وفي محتواه أيضا، فهو حصيلة عمل وجهد كبيرين لعدة سنوات، وفيه كم هائل من الوثائق والأدلة التي تكشف حقيقة النظام الإيراني، لذا ظهر الكتاب بهذه الأبهة والفخامة. علاوة على الإشراف الفني للأستاذ الماهر علي الصراف وإهتمامه بالكتاب وهذ ديدنه مع بقية الكتب، كأنك تشعر من شدة حرصه على خروج الكتاب بأفضل صورة، بأنه هو مؤلف الكتاب.
يتألف الكتاب من تسعة فصول تتشعب لعدة أبواب مع خاتمة تتضمن حلاصة رؤية الكاتب:
يتناول الفصل الأول من الكتاب الصفحات التأريخية السوداء للنظام الإيراني في عهد الخميني سواء تلك الجرائم التي إرتكبها ضد شعبه أو بقية شعوب العالم. ويتناول هذا الفصل القاعدة التشريعية الإستبدادية التي تأسس عليها النظام ومكنته من مسك السلطة بقبضة حديدية. سواء ما ورد في الدستور أو القوانين والأنظمة، أو الفتاوي البليدة التي أصدرها الخميني والتي ساعدته في فرض النظام الدكتاتوري على البلاد وقمع شعبه وإفتراسه بضراوة.
يتضمن الفصل الثاني أباطيل وأكاذيب وفبركات نظام الملالي تجاه منظمة مجاهدي خلق، وقد كَشفت زيفها وبطلانها الصفحات البيضاء الناصعة من مسيرة المنظمة، مع ان هذه الأباطيل لها بداية لكن ما تزال سارية المفعول ولا نهاية لها، اللهم إلا بنهاية النظام الدموي.
يتناول الفصل الثالث مسألة عوائل مجاهدي المنظمة داخل ايران التي يستخدمها كورقة ضغط لإبتزاز المجاهدين في داخل ايران وخارجها، وعلى وجه الخصوص اللاجئين الايرانيين في العراق في محاولة بائسة ويائسة للتأثير على معنويانهم الصلبة. وهي ورقة صفراء متهرئة تتعارض من القوانين الدولية وصكوك حقوق الإنسان، علاوة على التشريعات السماوية التي تحمل النفس فقط أعمالها وليس الغير.
أما الفصل الرابع من الكتاب فإنه يسلط الضوء على جرائم النظام الايراني وعملائه ضد المجاهدين وهي في حقيقة الأمر سلسلة من الجرائم الدموية بدأت مع سرقة الخميني للثورة الإيرانية من أصحابها الأصليين، والتنكر لهم، من ثم التنكيل بهم، وهي جرائم ما تزال مستمرة لحد الوقت الحاضر. علاوة على جرائم النظام في العراق وبقية دول العالم والتي لا تُخفى على أحد.
يكمل الفصل الخامس الفصل السابق من حيث تناول المكائد والدسائس التي دأب النظام الإيراني على انتهاجها أزاء مجاهدي خلق، وهي جرائم تعبر عن ضحالة النظام، وفقر ايدلوجيته، وإفتقاره للمواجهة الفكرية في التعامل مع قوى المعارضة الايرانية. وقد أفتضح أمر هذه المكائد للرأي العام العالمي، ففقد النظام مصداقيته داخل وخارج ايران، ولم يَعُد يُعتد بتصريحاته وبياناته الكاذبة. ويكشف الكاتب الياسري للرأي العام دسائس النظام التي لا تقل دموية عن عمليات الإغتيال وتصفية المعارضين بصورة بشعة، ومن بينها محاولة إضفاء صفة الإرهاب على المنظمة، مع ان نظام الملالي نفسه إرهابي، ومصدر لتغذية الإرهاب في المنطقة والعالم.
يضع الفصل السادس ملف المجاهدين واللاجئين الايرانيين تحت مجهر حقوق الإنسان، وقد تمخضت جهود المنظمة ومؤيديها عن تبني الأمم المتحدة قضية مجاهدي خلق، فأصدرت (63) قرارا يدين انتهاكات نظام الملالي لحقوق الإنسان الإيراني، وكان للمنظمة قيادة وأعضاءا الحصة الأكبر من هذه الإنتهاكات الجسيمة.
يناقش الفصل السابع مسألة في غاية الخطورة تتمثل في مسألة التطرف الديني، وطائفية النظام الحاكم في إيران إضافة الى تبنيه الحركات والميليشيات الإرهابية، فهو من يستقطب عناصرها ويدربهم ويمولهم ويسلحهم ويوزع عليهم النشاطات الإرهابية تحت مظلة تصدير الثورة البائسة لدول العالم، بعد أن فشلت فشلا ذريعا في إيران. النظام أفشل ما يكون، لا يمكن أن يُقتدى بالفاشلين.
الفصل الثامن يكشف زيف الشعارات التي يتشدق بها النظام، والتي صارت موضع سخرية وتهكم من قبل دول العالم. ربما انطلت الاعيبه وحيلة مع بداية الثورة الايرانية على البعض من الواهمين والحالمين، لكن سرعان ما إستيقظوا من أوهامهم، واكتشفوا همجية وخبث النظام، وصار هناك جبل من الأكاذيب لا يمكن إخفائه عن الأنظار.
الفصل الأخير هو فصل الخطاب، لأنه يكشف الحقيقة التي تشرق كالشمس في رابعة النهار من خلال إحتوائه على كم هائل من الوثائق الرسمية التي تدين النظام الإيراني وتفضحه وتثبت عليه صفة الإجرام والإرهاب والقمع والإستبداد وإنتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وصكوك حقوق الإنسان، بل والدستور الإيراني نفسه.
إنها رحلة ممتعة بقدر ما فيها من صعوبات مآسي وآلام، لكنها دليل ومرشد الفرد إلى الحقيقة، تلك الحقيقة التي يصعب الحصول عليها الا عن طريق العارفين بما يحدث وراء الأبواب.
علي الكاش