قاسم الحسيني : جميع الأعمال الفنية ترجع إلى المبدع التشكيلي
– August 10, 2016
للناقد أدواته الخاصة في فك شفرة النص
حاورته: هناء العبودي
{ د.قاسم الحسيني الفنان التشكيلي والناقد عرفنا بنفسك ؟
– الدكتور قاسم جليل الحسيني . مواليد 1970 /العراق / بابل . دبلوم معهد إعداد المعلمين / 1989 . بكالوريوس فنون جميلة / 1995. ماجستير تربية تشكيلية / 2012. دكتوراه / فلسفة تربية تشكيلية / 2015
-عضو نقابة الفنانين العراقيين / منذ عام 1988 . عضو جمعية التشكيليين العراقيين .
-لدي مقتنيات من أعمالي الفنية في دول مختلفة من العالم العربي والاوربي منها (دبي – قطر – البحرين – مصر – تونس – المغرب – إيران – النمسا – السويد – النرويج – استراليا – امريكا ) .
-نشر لي عدد من الدراسات النقدية في (السعودية / البحرين / تونس / امريكا ) .
-نشر لي عدد من المقالات في وكالة الصدى نت ..
-صدر لي مؤلفات من :
– دار المنهجية / الاردن تحت عنوان (تداولية المقاربات الصوفية في الخطاب البصري).
– دار الرضوان (المنظومة الزخرفية في الفنون الاسلامية – دراسة في مفهوم الصيرورة )
– دار الرضوان / الاردن (النص التشكيلي تجليات العقلي والروحي ) .
– دار الرضوان / الاردن ( الفن الملتزم والفن للفن ـ المعنى في الفكر والفلسفة ) .
{ الى اي المدارس الفنية ينتمي د. قاسم الحسيني ، والى اي حدٍ استفدت من عالمك التشكيلي؟
– هو ليس انتماء لمدرسة فنية محددة بقدر ما أن هناك موضوعات أجدها لا بد أن تنفّذ وتعالج بأسلوب المدرسة او الاتجاه الفني التجريدي ، او لابد ان اتخذ من رؤيتي الذاتية لتنفيذ عمل فني يقترب من المدرسة السريالية مثلا او التعبيرية او الواقعية . وهذا التنوع في تنفيذ الموضوعات بتلك الأساليب المختلفة قادني الى امتلاك الخبرة من جهة والإفادة من هذا العالم التشكيلي لقراءة مختلف النتاجات الفنية من جهة اخرى .
{ ماهي الفلسفة التي يطبقها الفنان قاسم الحسيني ليجعل للوحته طعما خاصا؟
– لم تكن فلسفة ، انما أجد ذاتي تلتصق فوق السطح التصويري ، فبعد الانتهاء من العمل لا أرى سوى قطعة جمالية خُلِقت لترحل الى عالمها الخاص .
{ نشاهد على بعض اللوحات استخدام الحروف والرموز التي تمتزج مع الالوان ، هل هي تجربة جديدة ؟ وهل نجحت في عالم التشكيل برأيكم ؟.
– هي ليست تجربة جديدة ، الفنان لديه منظومة تخيلية واسعة ومنظومة ادراكية ربما تفوق الانسان العادي ، مخيلته تمتلك خزيناً ثّرياً من الصور الواقعية والصور التي تقع تحت رؤيته البصرية ، وبالتالي يعمل على استحضار تلك الصور المختزنة لتتحول على سطح اللوحة على شكل رموز تمتزج مع اللون ، هذا الى جانب الحرف العربي الذي شكّل بؤرة مركزية كبيرة في كثير من النتاجات الفنية لما له من طاقة تعبيرية وروحية شكلاً ومضموناً .
{ هل يستطيع الفنان التشكيلي تغيير وقلب قناعات المتلقي كما يحصل في السينما والمسرح والدراما ؟
– العمل الفني سواء أكان سينمائياً او مسرحياً او تشكيلياً هو نتاج صادر من الفنان الى المتلقي ، يحمل موضوعا ذا رسالة بالتالي المتلقي يقوم بقراءة مضمون الرسالة او محاولا قراءته ، لذا نلحظ في السنوات الاخيرة اصبح النتاج الفني يخرج من اطاره التقليدي ليصل الى اكبر عدد من المتلقين ، بذلك يكون للتشكيل دور كبير في تغيير وجهة نظر المتلقي بما يحمله من رسالة وخطاب ترتبط بالمجتمع والإنسان .
{ هل التشكيل المعاصر يعتمد على التجريد ام هناك أسلوب آخر ؟
– التطور الفني والأسلوبي والتقني للتشكيل بعد عصر النهضة مرورا بالحداثة وما بعد الحداثة اخذ يتجه نحو اللعب الحر بعناصر العمل الفني ، وهنا بدأت الرؤية الذاتية للفنان تتشكّل بعدة أساليب سيما التجريدية ؛ بوصفها تبتعد عن تجسيد موضوعات واقعية وأكاديمية وعدم تمثيل أشياء وأشكال العالم الخارجي بتسجيلية حرفية ، إنما اختزال وتبسيط تلك الأشكال الى خطوط والوان وكتل ومساحات ملونة ، بغية الوصول الى ماهيتها وجوهرها ، فالتجريد مغايرةِ للمدركات الحسية ولماديات العالم الخارجي . وكثير من الفنانين يجدونه الأسلوب الأمثل والأسهل في تنفيذ موضوعاتهم بالرغم من وجود أساليب فنية معاصرة متعددة وكثيرة – نعم – يأخذ التجريد جزء منها في التنفيذ ، كالتعبيرية التجريدية والبوب ارت والفن البصري والفن الكرافيتي وغيره .
{ هل للتراث نصيب في التشكيل الفني ؟ وما مدى تجليه في أعمالك ؟
– بلا شك إن الحضارة العراقية والموروث الشعبي له الأثر الكبير في التشكيل العراقي على مستوى الرسم او النحت او الخزف او غيره ، فهناك الكثير من الرموز الحضارية الرافدينية (السومرية او البابلية او الاكدية وحتى الموروثات الشعبية) الى جانب أبعادها الجمالية لها دلالات اجتماعية وسياسية وثقافية ، بالتالي لا يمكن فصل الفنان العراقي عن حضارته ومورثه ، وقد تجلى ذلك في الكثير من أعمالي التي اقتنيت في (الاردن – الامارات العربية – السويد – استراليا) .
{ ماذا تعني الحداثة للدكتور قاسم الحسيني؟ .
– الحداثة باختصار تشمل مجموعة من التغيّرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية ، فهي عملية تتضمن تحديث وتجديد لما هو قديم ، ومن وجهة نظري تمثل صيرورة الأشياء ، وتفرض صورة جديدة للإنسان والعقل والهوية ، والحداثة في التشكيل تتمثل بالخلق والإبداع والتفرّد الذي يناقض المنظومة البنائية الكلاسيكية القديمة ، فهي حركة تنويرية عقلانية مستمرة هدفها تبديل النظرة الجامدة الى الأشياء والكــــون والحياة الى نظرة أكـــــثر تفــــــاؤلا وحيوية .
{ ما مدى صحة المقولة المتعارفة (إن من الضروري أن يكون الناقد فنانا تشكيليا) ؟
– الناقد التشكيلي لديه أدواته الخاصة في عملية القراءة والتحليل وفك شفرة النص التشكيلي وتفكيكه وهذا يتطلب معرفة ودراية وخبرة متراكمة بحدود التيارات الفنية وأساليبها من جهة والتوجهات الثقافية والأبعاد النفسية والاجتماعية للمنتج المبدع من جهة اخرى ، الى جانب معرفته بالمناهج النقدية القديمة والمعاصرة وأساليبها وطرق القراءة ، ومن ثم تقديم قراءته النقدية الى المتلقي بشكل موضوعي وواضح دون لبس .
{ كيف تفسر ندرة وجود الناقد التشكيلي المتخصص في وطننا العربي؟
– الوطن العربي ممتلئ بالإبداع الفني ومع كل نتاج إبداعي هناك قارئ ؛ باعتبار ان العمل الفني موجه الى الاخر (المتلقي) ، بالتالي لابد من وجود وسيط موضوعي ومحايد ما بين العمل الفني والجمهور المتلقي وهو (الناقد) ، فلا أظن بندرة وجود نقاد تشكيليين ولاسيما النقاد العراقيين فلهم مساحة واسعة ضمن العالم العربي .
{ من هو الناقد ؟ وما هي أدواته في تفكيك شفرة العمل الفني ؟
– لابد للناقد أن يكون حاملاً لفكر وثقافة عالية سواء أكان ناقدا أدبياً او تشكيلياً ، وله خبرة ودراية في كل المناهج النقدية القديمة والمعاصرة ، بحيث يتمكن من التحليل والتفسير وقادر على فك شفرة النصوص التشكيلية بكل شفافية وموضوعية إذا كان ناقدا تشكيلياً ، وبلا شك إن كل متلقي يمكن له أن يكون ناقداً بحسب ثقافته ومعرفته ، إلا أن الناقد الحقيقي هو من يقدم قراءة نقدية مؤثرة من خلال توصيفه الدقيق للنصوص الإبداعية .
{ ما هو الدور التحليلي الذي يقوم به الناقد للتعرف على الشفرات الملتبسة التي كونت النص او اللوحة ؟
– ذكرنا سابقا إن الناقد عليه أن يمتلك معرفة ثقافية عن الفنون وعن التيارات الفنية وعلاقاتها وأساليبها ، الى جانب معرفة حيثيات السطح التصويري من عناصر وعلاقات ، وبالتالي يستطيع قراءة النص التشكيلي قراءة دقيقة عندها يتمكن من مسك الرموز والشفرات وتفكيكها ، ولا ننسى ايضا قدرة الناقد على تحديد هوية العمل الفني وتاريخ إنتاجه ، وما يحيط به من أحداث واتجاهات فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية .
{ كونك ناقداً وفناناً تشكيلياً ما الذي تعتمد عليه عند نقدك للعمل الفني ، هل الحركات الفنية ام الحقب التاريخية ام تاريخ الفنان نفسه؟ وكيف تقومه؟
– قبل أن أقوم بنقد العمل الفني لابد لي أن أدرك طبيعة هذا العمل والأسلوب الذي عالج الفنان موضوعه ، وهنا الجأ الى الحركات الفنية ، بعدها احدد المنهج النقدي الذي يتلاءم مع طبيعة النص ، فقد تكون قراءتي للعمل من وجهة نظر سيميائية او تفكيكية او ربما قراءة تعتمد على البعد النفسي للفنان ، فضلا عن تأثيرات الفنان على المستوى الاجتماعي او السياسي او الحضاري ، بمعنى آخر هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية ، الأولى تتمثل بالتركيبة النفسية والخبرة والثقافة لشخصية المنتج ، والثانية تتمثل بما موجود خارج العمل الفني كالعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
{ ما هو الفرق بين النقد الذاتي والنقد الموضوعي؟
– باختصار النقد الذاتي : يتمثل بقراءة الناقد للنص التشكيلي وفق رؤية ذاتية تتداخل عاطفته ووجدانه ويستسلم لميوله الخاصة لتتقدم على ما هو موضوعي . اما النقد الموضوعي : الناقد يقدم قراءته بشكل موضوعي يعتمد على ثقافات ومعارف شائعة ومألوفة ويتفق عليها كثير من النقاد ، بمعنى النقد الذي يصدر عن دراسة وتمحيص ويلتزم الناقد فيه منهجا معينا ويطبق القواعد الذي أتفق عليها النقاد ويحكم ذوقه وعقله وثقافة الفنية . وكلا النقدين يستند الى ثقافة الناقد ومخيلته وحدسه وتذوقه الفني .
{ هل استطاع النقد أن يواكب الحركة الإبداعية التشكيلية؟
– بكل تأكيد .. ما دام هناك طرح مستمر لنتاجات إبداعية ، هناك نقد يرافق هذا الطرح فكلاهما مرتبطان ببعض ولا ينفصل احدهما عن الآخر .
{ الفن الرقمي ما معناه ، هل هو من الفنون الإبداعية وهل استطاع أن يشيد له مشهدا فنيا عالميا ؟
– التطور المعرفي والصناعي والتكنولوجي الذي ساد هذا العصر دخل في كل الميادين ومنها التشكيل ، والفن الرقمي يعتمد على تقنيات الحاسوب ، والفنان استطاع ان يوظف مقدرته التخيلية لإنتاج أعمال فنية من خلال أدوات الحاسوب والبرامج الرقمية ، بمعنى تحويل كل أنواع التعبير الفني الى تقنيات رقمية ، وهذا ما أثر في الحركات الفنية واتجاهات ما بعد الحداثة ، اذ ان الأساليب التصميمية للفن الرقمي أضافت قيم جمالية جديدة من خلال وسائط تكنولوجية متطورة ، وهذا الفن منتشر بشكل واسع في العالم الاوربي والامريكي وحتى العالم العربي .
{ بوصفك ناقداً تشكيلياً هل تستطيع نقد لوحاتك ، بمعنى هل قمت بنقد لوحاتك ؟
– أعمالي الفنية اطرحها الى الجمهور ؛ باعتباره المتلقي وهو من يقوم بقراءة العمل ولو بشكل نسبي ، عندما أنتج عملا فنيا أتحدد بكوني فنانا بعيدا عن النقد ، واترك نقده للنقاد الآخرين إضافة للجمهور المتذوق ، وللتنويه تم اختيار أربعة أعمال لي لدراستها من قبل احد الطلبة الفرنسيين ؛ كونه يكتب حول التشكيل العالمي المعاصر .
{ ما مدى مشاركاتك دوليا وعربيا على مستوى النقد والتشكيل ؟
– شاركت في الكثير من المعرض المحلية داخل البلد منذ عام 1988 وفي عدد من المعارض خارج البلد في الاردن وسوريا وتونس ، ومشاركة في معرض بسدني / استراليا ، ودراسات نقدية لعدد من أعمال الفنانين التشكيليين ، سيما مشاركتي الأخيرة ضمن نقاد العرب في تأليف كتاب (الجزء الثاني من بانوراما فناني العالم) يتضمن دراسات نقدية لأعمال فنية لفنانين عرب وأجانب .
{ في نهاية الحوار .. أين وصل التشكيل المعاصر في العراق وسط هذا التطور في الفنون من العالم العربي والعالمي ؟
– الحمد لله التشكيل العراقي وصل الى قمة الارتقاء والتطور ، لدينا فنانين وفنانات يمتلكون من الإبداع والخبرة والمهارة ما يجعلهم يسايرون التطور التشكيلي في العالم ، فهناك الكثير من النتاجات الفنية لمبدعين عراقيين احتضنت قاعات العرض والمؤسسات الفنية ولها صدى واسع ، لكن أتمنى ان تحتضن ارض العراق الإبداع والنتاجات الفنية وتمتلئ المؤسسات الحكومية والشوارع بأعمال فنية راقية لتتزين بجمالية نحن نفتقدها منذ مدة ، بسبب ما أصاب البلد بعد 2003 من تغيرات سياسية واقتصادية وحتى الثقافية والفكرية.