صوت المرأة العراقية بعيدا عن ابتذال البرلمانيين
هيفاء زنكنة
بات من المألوف رؤية أعضاء البرلمان العراقي وهم يتهمون بعضهم بعضا بالفساد والتلويح بملفات سرية مخزونة إلى حين، ويتبادلون الصفعات والركلات، بينما تتطاير فوق رؤوسهم قناني المياه، كما لو كانوا تحت قصف قوات التحالف بقيادة أمريكا.
وإذا كان أعضاء البرلمان من الذكور قد استحوذوا على المرتبة الاولى، منذ سنوات، في هذا المجال، فإن العامين الاخيرين شهدا تقدما ملحوظا في مشاركة المرأة، ما قد يزيد من قناعة منظمات الأمم المتحدة، المعنية بالمرأة، بأن ورشاتها حول تمكين المرأة وتجاوز حاجز الهيمنة الذكورية، بدأت تحصد ثمارها في البرلمان العراقي، على الأقل. آخر عروض البرلمانيين في بلد يعيش حالة احتلال وحرب وخطر التقسيم، كانت بين نائبتين من تحالفين سياسيين مختلفين، تبادلتا وجهتي نظريهما، بالأيدي، حول اتهامات الفساد الموجهة إلى وزير المالية.
حظى المواطنون برؤية العرض المخزي وهم يعضون أصابعهم البنفسجية، التي انتخبت نواب لتمثيلهم كهؤلاء. وإذا كانت النائبات الغارقات بالفساد حتى النخاع، كما زملائهن من الذكور، يشعرن بالحاجة إلى اطلاق الصرخة بين الحين والآخر حول تهميشهن والتمييز الجندري ضدهن، فإن عموم الشعب العراقي توصل إلى قناعة مفادها ألا فرق بين ذكر وانثى في البرلمان، لأن الكل فاسد، ولم يعد بإمكان أقوى البخور وأغلى العطور التغطية على ذلك. مما يثير تساؤلا عن المرأة خارج البرلمان؟ وهل من مساحة تتسع لصوتها إزاء عدم وجود من يمثلها في أعلى هيئة سياسية تشريعية ورقابية؟
هناك، أولا، المنظمات غير الحكومية المسجلة رسميا وعددها 2844 منظمة، ولا نعرف بالضبط عدد المنظمات النسوية أو المعنية بالمرأة بينها، وإن كان عدد منها يحمل بأسمائه مفردات المرأة والأسرة والطفل والمساواة مرتبطا بالديمقراطية، غالبا لتوسيع مساحة الحصول على الدعم وليس للدلالة على طبيعة عملها. الملاحظ من تتبع عمل، معظم هذه المنظمات «غير الحكومية»، أنها بشكل أو آخر «منظمات حكومية»، حيث يتبوأ مديروها مناصب حكومية متنفذة كمستشارين، إما في رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء، أو واجهات لأحزاب حكومية، مما يجعلها مرشحة أكثر من غيرها لتلقي المنح والدعم الخارجي، سواء من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة وأوكسفام أو من الوكالة الأمريكية للتنمية وصندوق الدعم القومي الامريكي والمعهد الامريكي لنشر الديمقراطية وغيرها.
تلخص البروفيسورة شهرزاد موجاب، من جامعة تورنتو، في العديد من بحوثها، العلاقة الوثيقة بين عمل منظمات المجتمع المدني والجهة الداعمة، خاصة في كردستان العراق، بمقولة «اتبع الدولار»، إذ تفرض مصادر التمويل أجندتها ولو بطريقة ناعمة. ويقودنا تتبع مسار الدولار/ التمويل المادي إلى معرفة طبيعة عمل المنظمات النسوية وتوجيهها الخارجي بهدف التأثير في مواقفها وأهدافها مما يعرقل ما يحتاجه المجتمع، حقا، ويشوه إرادة الشعب، ويتناقض مع جوهر مفهوم المجتمع المدني. مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود منظمات تمثل صوت المرأة الحقيقي وهمها وطموحاتها وتهدف إلى تغيير واقعها المرير، رغم كل الصعوبات المادية والأمنية ومحاربة المنظمات الزائفة لها. هناك، أيضا، مشاركة المرأة في الحراك المدني العام، كما في الساحات الكبرى في العاصمة وبقية المدن، المطالبة منذ سنوات، بالإصلاح السياسي وتنظيف الحكومة والمؤسسات من الفساد، أو بشكل احتجاجات مهنية، احيانا، كما المطالبة بزيادة الاجور وتأمين العمل الدائم للمستخدمين.
في السنوات الأولى للغزو، برزت مساهمة المرأة السياسية والاجتماعية من خلال كتابة المدونات. مدونة «بغداد تحترق» للشابة «ريفربند – منعطف النهر»، وهو اسم مستعار، كانت الاكثر شهرة بينها، إذ نقلت تفاصيل الحياة اليومية تحت الاحتلال، مغموسة بغضبها على ما ارتكبه من جرائم وتخريب للبلد والبشر. ومن مدينة الموصل، شمال العراق، اشتهرت مدونة طالبة في عامها الجامعي الاول باسم «نجمة من الموصل» عن يوم عادي في الموصل، كتبت نجمة: «كنا نتناول طعام الفطور عندما حدث انفجار أدى إلى تهشيم عدة نوافذ بالبيت، لكن لم يصب أحد بأذى. بالأمس، كسرت رصاصة نافذة في البيت. ومن ثم فإننا نحتاج إلى تركيب زجاج في النافذة المكسورة إضافة إلى تركيب ستائر جديدة. لا يمكن للمرء أن يتوقع ما سيحدث».
بينما توقفت «ريفربند» ونجمة عن التدوين لاتزال مدونة غار عشتار، المحللة للأحداث، والمفككة لتشابك خيوط الفساد المالي والدعم المادي المسخر لأجندات حكومية ومؤسساتية خارجية، مستمرة بمثابرة تثير الاعجاب. وعادت ليلى أنور إلى مدونتها بعد عامين من الانقطاع مهتمة «بإحصاء الموتى في الشرق الاوسط. أجساد ميتة، عقول ميتة، أرواح ميتة.. وربما أحاول، مثل عشتار، إحيائها بقبلة الحياة».
وإذ شهدت المدونات انحسارا نسبيا في شعبيتها أمام تنامي الفيسبوك والتغريدات، لجأت الكاتبات والناشطات إلى الفضاءات الجديدة كأسلوب للتواصل والتعبير عن مواقفهن، بالإضافة إلى نشر النصوص الإبداعية من خواطر وقصص ومذكرات. ففي صفحتها على الفيسبوك، بدأت هناء ابراهيم، التي تعرف نفسها بأنها «امرأة من هيئة إرادة المرأة، تعود إلى صوتها بعد غياب طويل» بسرد تاريخ الهيئة التي ساهمت بتأسيسها عام 2004 «وهي منظمة تعنى بشؤون المرأة وحقوقها في مجالات التعليم والعمل. وتدافع المنظمة عن حقوق السجينات واللاجئات… حضر مؤتمرها الأول 100 امرأة تقريبا في أكبر تظاهرة نسائية ببغداد». توقفت الهيئة عن نشاطاتها في العراق وسوريا «لم نفترق بمعنى الافتراق الوطني، بل افترقنا تحت سطوة العنف والضياع والفوضى وتلاشي الأمكنة كما الأوطان تتلاشى في فوضى الحروب». هذه النماذج، مهما كانت قليلة، لعراقيات يأبين أن يكون الابتذال البرلماني، صوتا لهن، وإن كان نسويا. أنهن صاحبات الصوت الحقيقي المهمش في زمن الابتذال البرلماني للسراق.
كاتبة عراقية