إشارات رسمية وتحشيد إعلامي تركي للهجوم على عاصمة «الدولة» بالعراق: أردوغان قد يعتمد على اتفاقية تاريخية لاقتحام الموصل
إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي» : بالتزامن مع الإشارات الرسمية التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، كثفت وسائل الإعلام التركية خلال الأيام الأخيرة من ترويجها لفكرة تَصدر الجيش التركي لعملية عسكرية واسعة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من مدينة الموصل العراقية التي تعتبر بمثابة «عاصمة الخلافة» للتنظيم، وذلك على غرار عملية «درع الفرات» التي أدت إلى طرد «الدولة» من مناطق واسعة شمالي سوريا.
لكن البارز والجديد في هذا الإطار، استحضار وسائل الإعلام وكبار الكتاب الأتراك لاتفاقية تاريخية موقعة بين تركيا والانتداب البريطاني في العراق عقب الحرب العالمية الأولى، تتيح – بحسبهم – للجيش التركي التدخل لحماية التركمان في مدينة الموصل، في مشهد يوحي بتسويق الغطاء القانوني للتدخل العسكري المحتمل.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفي آخر تصريح له حول الموصل أشار، قبل أيام، إلى وجود أطراف (لم يسمها) تبدي انزعاجاً شديداً من «المواقف الحازمة التي تُظهرها تركيا خلال السنوات الأخيرة»، مؤكّداً أنّ بلاده ستستمر في إزعاج تلك الأطراف خلال الأيام القادمة من خلال الخطوات التي ستُقدم عليها، على حد تعبيره.
وحول عملية درع الفرات، قال أردوغان: «لقد سئمنا من الدول المخادعة التي تقف وراء المنظمات الإرهابية الناشطة في منطقتنا، هذه الدول متورطة في الدماء التي تُسال في منطقة الشرق الأوسط، فالمسألة لم تعد متعلقة بسوريا والعراق، بل أصبحت مسألة بقاء للمنطقة برمتها، ولذا فإنّ تركيا اتخذت قراراً بزيادة فعاليتها وتواجدها بشكل أكبر في الميدان»، مضيفاً: «نفكر أن نطلق عملية مماثلة لدرع الفرات في العراق، ونطلب من كافة القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا».
عقب الحرب العالمية الأولى نشبت أزمة دبلوماسبة حادة بين المملكة العراقية والجمهورية التركية حول مصير ولاية الموصل التي كانت حتى ذلك الوقت جزءاً من الدولة العثمانية، وعقب حرب الاستقلال اعتبرت الجمهورية التركية الحديثة الموصل واحدة من القضايا المحددة في الميثاق الوطني، وقال مصطفى كمال أتاتورك في اجتماع مجلس الأمة عام 1920: «حدود أمتنا، من الإسكندرون جنوباً، وفي الجنوب الشرقي تضم الموصل، السليمانية وكركوك».
لكن بريطانيا التي احتلت العراق عقب الحرب تمكنت – بصفتها ممثل العراق كونها قوة انتداب – من طرح القضية في الساحة الدولية، وتوسيع نطاق ذلك وصولاً إلى جعلها مشكلة حدود بين تركيا والعراق، وعقب مناوشات سياسية وتهديدات عسكرية تم التوقيع على معاهدة أنقرة في العام 1926.
ونصت الاتفاقية على أن تتبع ولاية الموصل للعراق ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتفق عليه العراق وتركيا، كما نصت على أن يعطي العراق 10٪ من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة 25 سنة، حيث شاركت تركيا العراق في نفطه حتى عام 1954 وتوقف الدفع تماما بعد ثورة 1958 ومجيء عبد الكريم قاسم للحكم، كما تقول تركيا إن الاتفاقية ضمنت حق أنقرة في التدخل العسكري بالموصل ومناطق في شمال العراق من أجل «حماية التركمان».
توقع الكاتب والخبير التركي في صحيفة «أكشام»، أمين بازرجي، أن تبدأ تركيا عملية عسكرية في المستقبل القريب بمدينة الموصل شمال العراق استنادًا إلى «معاهدة أنقرة»، لافتاً إلى أن «أهمية الموصل تأتي من وجود التركمان والروابط التاريخية التي تربطها بتركيا.. وحتى لو لم يكن هذا الأمر، فإن الموصل مهمة بالنسبة لنا، لأن التنظيمات الإرهابية التي تتشكَّل هناك تقوم بتشكيل تهديد كبير علينا».
ولفت الكاتب إلى أن الاتفاقية الموقعة عام 1926 تضمن لتركيا «حق حماية الأشقاء في الموصل إلى الجمهورية التركية، أي بمعنى منح حق الضامن إلى تركيا»، مضيفاً: «نحن أصحاب حق في أراضي تمتد على مساحة 90 ألف كيلومتر مربع. ويشمل ذلك أيضا كركوك التي تعتبر تابعة إلى التركمان، فبالنسبة لنا الموصل شأنها شأن قبرص، بالعودة إلى الاتفاقية، فإنه من حقنا التدخل في حال تعرض أمن أشقائنا هناك للخطر. فبالمختصر، بالرجوع إلى الاتفاق، فإنه إذا توجّب على أحد أن يأتي بحركة في الموصل فهي بالتأكيد تركيا».
وتابع بالقول: «هل كنتم تعلمون أنه كان للجمهورية التركية حصة من النفط القادم من هناك في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، هل كان ليأتي، بالطبع لا. ولكن هذا كان مطالبة بالحقوق بالنسبة لتركيا. فبالرجوع إلى اتفاق لوزان، فإن لنا حصة من النفط القادم من الموصل».
واعتبر أنه «حتى وإن لم تكن هناك هكذا اتفاقية، فإن التعديلات القضائية الحالية تسمح لتركيا بالتدخل في الموصل»، مشيرًا إلى أن بإمكان داعش المتغلغلة في الموصل، تنفيذ نشاطات في تركيا عبرها، وأيضا بإمكان حزب العمال الكردستاني الدخول إلى تركيا وتنفيذ هجمات عبر الالتفاف حول الموصل»، وأضاف: «المادة 51 من اتفاقية الأمم المتحدة، تقوم بمنح الحق لتركيا للتدخل في منطقة الموصل. كما هو الحال مع عملية درع الفرات.. أيادينا نظيفة قانونيا والاتفاقيات العامة والخاصة إلى جانبنا».
الكاتب التركي «يشار حجي صالح أوغلو» اعتبر في مقال له نشر الخميس أن «عملية درع الفرات بعد جديد مهم في المعركة المشتعلة بين تركيا والإرهاب، ولأن الإرهاب يسرح ويمرح بين سوريا والعراق ضد تركيا فإن على تركيا في المقابل أن تكوّن جبهة واحدة وقوية ضده في كلا البلدين».
لكن الكاتب حذر من أن «اقتراح أمريكا لعملية الرّقة يجب أن يصحبه تدخل أمريكي فاعل ومنسجم مع القوات التركية المشاركة، وإلا فإن نتائج التدخل ستكون عكسية على أنقرة وضد أجنداتها، فبدلًا من أن تحمي نفسها والوحدة السورية العراقية ستكون المحصلة هي حماية التنظيم الإرهابي وحدات حماية الشعب الكردية». لافتاً إلى أنه يجب «أن تكون العملية مزدوجة في الرّقة والموصل من أجل تأثير حقيقي يفت في عضد تنظيم داعش حتى سحقه».
من جهته، تساءل الكاتب التركي «برهان الدين دوران» في مقال له بصحية «ديلي صباح» التركية بالقول: «لماذا تحرص الحكومة التركية على استهداف الرقة والموصل عبر الدخول في مواجهات خطيرة محتملة مع داعش؟ ألا تفتح بذلك جبهات جديدة تنهك الجيش التركي؟».
ويجيب الكاتب بالقول: «يرجع حرص الحكومة إلى أن ساحة المعركة تتجاوز الحدود السورية العراقية، فمع الحرب الأهلية المشتعلة في كلا البلدين تحدث عملية معقدة من التفكك والتوحد في وقت واحد عبر الحدود»، معتبراً أن «تركيا تعتقد أن التحرك الصحيح يكون بوضع إستراتيجية شاملة لمحاربة المجموعتين (داعش والمليشيات الكردية)».
ولفت إلى أن «تركيا لا تتصرف من جانب واحد، ففي هذا الوقت لا يرغب الأتراك في الدخول في نزاع مع روسيا وإيران، بينما ينسقون عملياتهم مع الولايات المتحدة. ومع ذلك يمكن أن تتخذ أنقرة إجراء من جانب واحد لحماية مصالحها كملاذ أخير لها.. فالعمليات البرية القادمة في الرقة والموصل ستحدد مستقبل سوريا والعراق»، منوهاً إلى أن «التحديات الرئيسة التي تواجهها تركيا تشمل توقيت والتزام الولايات المتحدة، والصعوبات التقنية للقتال في جبهات متعددة، وتحاشي الصراع مع روسيا ونظام الأسد، وإدارة التوترات مع الولايات المتحدة، وبذل مزيد من الجهود للحد من نفوذ وحدات حماية الشعب ونفوذها، ووقف هجمات الذئاب المنفردة التي تشنها داعش».
ورأى الكاتب أن الحكومة التركية «تريد منع تحرير الرقة حتى لا تتعزز قوة حزب الاتحاد الديمقراطي، كما تعترض على استيلاء حزب العمال الكردستاني والميليشيات الشيعية على السلطة في الموصل، لأن ذلك سيكون على حساب السكان التركمان المحليين والبيشمركة. كما تتخوف تركيا من مشاركة الحشد الشعبي المدعوم من الحكومة المركزية في بغداد في تحرير الموصل».
يحذر مراقبون من دخول الجيش التركي في مواجهات دامية وصعبة مع العديد من الأطراف داخل العراق في حال تنفيذ عملية عسكرية بدون التنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد التي ترفض التدخل التركي، بالإضافة إلى المليشيات الشيعية التي توعدت بضرب القوات التركية بعد تحذيرات أطلقها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من حرب وصفها بأنها ستكون هائلة في حال تدخلت تركيا أو تمددت في مدينة الموصل، وذلك بعد أن حذر من «أطماع تركية في الموصل».
رئيس الإقليم الكردي في العراق، مسعود بارزاني، استبعد، في مقابلة صحافية قبل أيام، مشاركة تركيا في عملية تحرير مدينة الموصل، مشيراً إلى أنها «قد تقدم المساعدة للقوات المشاركة في العملية، ولا داعي لمشاركتها بشكل مباشر؛ فالحكومة العراقية تعارض ذلك، لافتاً إلى وجود معسكر للقوات التركية في بعشيقة ومعارضة الحكومة العراقية لتدخل تركي أوسع بالعراق.
والموصل أكبر مدينة عراقية يسيطر عليها التنظيم، منذ حزيران/ يونيو 2014، وبدأت الحكومة العراقية في ايار الماضي، في الدفع بحشودات عسكرية قرب المدينة، ضمن خطط لاستعادة السيطرة عليها من «الدولة»، كما تقول الحكومة إنها ستستعيد المدينة من التنظيم قبل حلول نهاية العام الحالي. كما يوجد عشرات من الجنود والمدربين الأتراك في مدينة بعشيقة شمال الموصل، حيث تقدم أنقرة تدريبا عسكريا لقوات البشمركة الكردية والحشد الوطني من أجل محاربة التنظيم.
ويقول الجيش التركي إن قواته المنتشرة في معسكر بعشيقة بالعراق قتلت 602 من مسلحي تنظيم الدولة ودمرت 416 مبنى يستخدمها التنظيم و83 عربة مدرعة و17 موقعاً للمدفعية، بينما تواصل تدريب آلاف المقاتلين من البيشمركة ومسلحي الحشد العشائري السني التي يديرها أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، الحليف المقرب من تركيا، إلى جانب العلاقات المتقدمة التي أسستها أنقرة مع حكومة إقليم شمال العراق.