[rtl][size=37]تحرير الموصل... تحوّل تاريخي[/size][/rtl]
[rtl][size=37]د. سيّار الجميل[/size][/rtl]
[rtl][size=37]
[/size][/rtl]
[rtl]"سيكون "التحرير" خطوة أولى لبعض الحكماء الذين يسعون إلى بلورة أفكار تأسيسّية وجامعة، ربما ستأخذ شكل سياسات، ومشروعات يمكن تطبيقها بعد انتهاء العمليات".[/rtl]
[rtl]"يكفي ما أصاب الناس من إحباط وقهر وسبي وآلام وقطيعة واستلابات ورعب وفقدان لعناصر الحياة الكريمة والأساسية".[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]الموصل : قلب الشرق الاوسط[/rtl]
[rtl]انطلقت، فجر يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، معركة تحرير الموصل من قبضة داعش، وهي الانطلاقة التي انتظرها الناس طويلاً، كون الموصل تتمتع بجيوستراتيجية بالغة الأهميّة، فهيَ في قلبِ الشرق الأوسط، وتكاد أبعادها تتساوى نحو بحارٍ، مثل قزوين والأسود والمتوسط، ويمرّ بها دجلة نحو الخليج، وهي تصل بلدان الشرق بالمتوسط، وتصل الهند بأوروبا براً.. وتعد الموصل/ نينوى رأسا للعراق، كما يقول المؤرخ لونكريك، إذ لا يمكن للعراق أن يحيا من دون هذا الرأس، مدينة وإقليماً، نظرا لما تمتلكه الموصل من توابع جغرافية، وما تتمتع به من مكانةٍ حيويةٍ واستراتيجية منذ القدم، فضلاً عن أنّ الموصل وقعت في "قلب الشرق الأوسط"، إذ تقع في مركزيته، فموقعها الجغرافي تتوازى منه المسافات بينها وبين البحار، - كما ذكرت - إذ تتقارب المسافات البرية بين الموصل وكلّ من بحر قزوين والبحرين، الأسود والمتوسط، وبينها وبين الخليج العربي نهران عبر دجلة وشط العرب. [/rtl]
[rtl]التحرير والحفاظ عليه : [/rtl]
[rtl]تعدّ مدينة الموصل الأقدم وجوداً في هذه المنطقة بأسرها، وقد بقيت حيّةً صامدةً تجابه التحديّات، وتقارع الأعداء، وتصارع الأضداد، ولم تمت كغيرها.. إنها اليوم وأهلها عند مفترق طرق صعب إزاء المستقبل، وهي تتحدّى كلّ التوّحش والإرهاب، وعلى سكانها أن يأخذوا حذرهم من أعدائهم، ومن المتحفّزين ضدّهم. ويصّر ناصحون لهم على أن يبقوا على أرضهم، وفي بيوتهم، ومتمسّكين بمدينتهم. عليهم أن يقبلوا بكلّ الأوفياء المخلصين من الميامين الذين جاؤوا لإنقاذهم، وأن لا يسمحوا أبداً لكلّ من تسّول له نفسه العبث بالمدينة وأهلها، سواء من العصابات أو المليشيات والقوى الحزبية والطائفية التي تبثّ التضليل والأباطيل والكراهية والثارات والانتقام الطائفي.. وعلى السيد رئيس الحكومة العراقية والقائد العام للقوات المسلحة أن يفي بوعده وكلمته أمام العالم، أن لا يدخل المدينة إلا الجيش العراقي والشرطة الاتحادية . [/rtl]
[rtl] يأتي تحرير الموصل الذي تقوم به القوات العراقية والقوات المتجحفلة معها من البيشمركة وابناء الموصل وابناء العشائر ، بقيادة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بناء على ضرورة تاريخية، فرضتها الظروف الصعبة التي تمرّ بها هذه المدينة والمحافظة، علماً بأنّها تعيش في قبضة داعش مع سكانها منذ قرابة عامين ونصف العام.. وأن الظروف الآن نضجت لتتمّ عملية تحريرها من "داعش" وإنهاء وجوده الكريه . ولكن، ما يهمنا أساساً: [/rtl]
[rtl]أولاً، الحفاظ على مصير الناس في الداخل، وهم يعيشون في قبضة الأعداء، ويتجاوز عددهم مليوناً ونصف المليون من البشر، في حين بلغ عدد المهاجرين والنازحين أكثر من مليون. [/rtl]
[rtl]ثانياً، ما الذي ستتمخّض عنه هذه الحرب في المراحل الأولى؟ ومن ثمّ البدء بالطور الانتقالي لها، وذلك لضبط أوضاعها الأمنية والعسكرية والإدارية.[/rtl]
[rtl]ثالثاً، ما الخطوات التي يمكن اتخاذها في مرحلة ما بعد "داعش"؟ خصوصاً من الناحيتين، الأمنية والسياسية، وترتيب وضعها الإداري بالحفاظ على وجودها في الداخل.[/rtl]
[rtl]رابعاً، تسهيلات عودة النازحين وإعادة فتح المؤسسات والمدارس والجامعات والدوائر إلى الحياة، ناهيكم عن الإصلاح وإرجاع الممتلكات إلى أصحابها، ومسألة التعويضات للمتضرّرين، والطلب من المجتمع الدولي المساهمة بإعمار ما خرّبته الحرب، وما تدمّر في المدينة، والمحافظة منذ العام 2014 وحتى التحرير. [/rtl]
[rtl]خامساً، لعل أهم عنصر من عناصر استقرار البلد ورجوعه إلى طبيعته يتمثل باستعادة روح التعايش ، ليس بين الناس وحسب، بل مزاولة نزعة الاحترام بين مركزية بغداد والمحافظة، بعيدا عن إيجاد الحساسيات والمشكلات والتهميش والإقصاء. الموصل ومحافظة نينوى تطالب بأن تمنح خياراتها في الحياة، وأن تكون عراقية، واعتبارها جزءاً غالياً من الوطن لا جزءا مهمشّا من الوطن . وعلى أهلها في الداخل والخارج البدء بصفحةٍ جديدةٍ من التعاون والعمل على ما دمره "داعش"، وإيجاد روح الألفة والمحبة بين الناس، فضلا عن إعادة التفكير في كلّ ما أنتجه الإسلام المتشدّد للخلاص منه ، فيكفي ان تكون داعش واحدة من أسوأ تجاربهِ في تاريخنا الحديث . [/rtl]
[rtl]اسس وخطوات جوهرية [/rtl]
[rtl]وعليه، ينبغي وضع أسس وخطوات رئيسيّة وجوهريّة، في أن تكون الموصل عراقية إلى الأبد، لكنها منفتحة على كلّ العراقيين والعالم، وقد تخلّصت من الإرهاب بدائيات العصور الوسطى ، بعد أن مرّت بأقسى تجرِبة في تاريخها، وستترتّب على ذلك جملة من الحقوق التي لا يريد أحد أن تضيع، إذ يكفي ما أصابَ الناس من إحباطٍ وقهرٍ وسبي وآلامٍ وقطيعةٍ واستلاباتٍ ورعبٍ وتهجيرٍ وفقدان لعناصر الحياة الكريمة والأساسيّة، ومن أبرزها غلق المدارس والجامعات والدوائر والمؤسسات والبنوك ودور القضاء واماتة المصالح المدنية .. تريد الموصل التعايش والسلام ، لكي تبدأ حياتها في العمل من جديد من خلال قواها البشريّة الفاعلة ، وبناءً ما دمّرته "داعش" ببطشها، وما نتج من خرابٍ في هذه الحرب. سوف لا تستعيد الموصل وتوابعها في عموم نينوى حياتها الطبيعيّة، إن لم تتخلّص من "داعش" وآثاره خلاصاً نهائياً، ناهيكم عن تمتعّ أهلها بالاحترام، وتأدية دورهم الوطني وشعورهم بالمساواة ونيلهم العدالة مع بني شعبهم العراقي، فإن لم يحصل ذلك، لسبب أو آخر، فللموصل خياراتٌ من نوع آخر. [/rtl]
[rtl]كم هي ضرورة مناقشة المجالات التي من شأنها مساعدة الموصل ونينوى، في محنتها وحالة الخروج من هذه المحنة. بجعل الموصل/ نينوى في حيّز المعاش، وإرسال رسالة تحمل الأفكار والرؤى الجديدة في الحفاظ على وحدتها ، وإيجاد الفرص الهادئة بين مختلف ألوان الطيف الديني والمذهبي والاثني مع إقرار مرحلة نقاهة لابدّ منها، بعد إزالة هذا الكابوس عن صدور الناس الذين عانوا طويلاً، وإطلاق طاقات التواصل الحديثة ، بعد رجوع الآلاف المؤلفة من النازحين والمهجرين، وتطوّير الأوضاع الخدمية، وإعمار ما هدمه داعش، أو ما تخرّب بتأثير الحرب، بعيدا عن الاحتراب السياسي وبعيدا عن تأجيج روح الانقسام والكراهية فضلا عن عدم المسّ بالمعطيات الديموغرافيّة من جهة أخرى، فلا يمكن أبداً إنجاح أيّة حملة لتغيير التركيبة السكانية الديمغرافية في أيّ شبر من أرض المحافظة.. وأن يشعر المجتمع بمضامين الوحدة الوطنية في حياته اليوميّة، وأن يشارك الناس في كلّ مكان بصياغتها وبمشاركة حقيقيّة وفاعلة. [/rtl]
[rtl]حاجة الموصل الى خطة طريق[/rtl]
[rtl]لا يمكن أن تدوم أيّة عمليات عسكرية إن لم تكن واضحة الغايات، وسيكون "التحرير" خطوة أولى لبعض الحكماء الذين يسعون إلى بلورة أفكار تأسيسّية وجامعة لبناء خطة طريق ، ربما ستأخذ شكل سياسات، ومشروعات يمكن تطبيقها بعد انتهاء عمليات التحرير في كل انحاء العراق . وتتطلب عودة الموصل إلى حضنها العراقي الوطني وجود خريطة طريقٍ طويلة الأمد، لتجسيد معالم فكريّة جليّة، تعاش على كلّ مستويات حياة الموصل الداخليّة. والمطلوب من كل ابناء المدينة والمحافظة البدء بتاريخ جديد واخراج المجتمع من تخلفه وانغلاقاته وتناقضاته التي سادت منذ احداث 1959 الدموية ، وجعل المدينة منفتحة على كل العالم ، والعمل على تطورها وتقدمها وجعلها من امهات مدن العالم منتجة مبدعة في كل مجالات الحياة . [/rtl]
[rtl]وأخيراً، لا بدّ من إرسال رسالة، تحمل الأفكار والرؤى الجديدة في الحفاظ على وحدة الموصل، وأن ينشد الجميع وحدة الكلمة، بعيداً عن الانقسامات والاختلافات والصراعات، خصوصا من السياسيين في الموصل ومن يمثّل المحافظة في مجلس النواب، الذين لم يوحدوا كلمتهم ولم ينسوا خلافاتهم حتى اليوم والموصل تعيش هذه المحنة التاريخية وهي تمرّ الان بلحظة تاريخية مريرة .. لابد من فسح المجال لكي يقول أبناء الموصل كلمتهم الحرّة، وإيجاد الفرص الهادئة بين مختلف ألوان الطيف الاجتماعي ، مع إقرار مرحلة نقاهة بعد إزالة هذا الكابوس عن صدور الناس الذين عانوا طويلاً ، وإطلاق طاقات التواصل الحديثة، بعد رجوع الآلاف المؤلفة من النازحين والمهجّرين الى مدينتهم الجميلة ام الربيعين وتوابعها الحيوية ، وتطوير الأوضاع الخدمية، وإعمار ما هدمه "داعش"، أو ما تخرّب بتأثير الحرب، فضلا عن عدم المسّ بالمعطيات الديموغرافيّة، فلا يمكن أبداً إنجاح أيّة حملة لتغيير التركيبة السكانية الديمغرافية في أيّ شبرٍ من أرض المحافظة .. وحاجة الشعب إلى مضامين الوحدة الوطنية في حياته اليوميّة، وأن يشارك الناس في كلّ مكان بصياغتها وبمشاركة حقيقيّة وفاعلة. ستكون هذه الرؤية، في حال نجاح تجربة الموصل بعد هذه المحنة، مثلاً حقيقياً أو نموذجاً يحتذي به كلّ أبناء العراق مستقبلاً. وأرى أن جملة تحوّلات تاريخية ستعقب تحرير الموصل، لا تقتصر على العراق وحسب، بل على غيره في المنطقة كلها . [/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]نشرت في العربي الجديد اللندنية ، 19 اكتوبر / تشرين الاول 2016 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل [/rtl]
[size]
[/size]