دور الطيارين السكارى في قصف الموصل
هيفاء زنكنة
خَدَش تحقيق أجراه اثنان من المحققين الفيدراليين الأمريكيين ، حاجز الصمت المتفق عليه، عراقيا وأمريكيا، حول عمل ما تسمى بالشركات الأمنية في العراق، ليعيد الى الأذهان صورة بشعة لجرائم يتم ارتكابها والتستر عليها، بعد تغليفها بورق « أمن وحماية» السفارة الامريكية وقواعدها. أذ نشرت وكالة «اسوشييتد برس» للأنباء، تحقيقا، بناء على شهادة المحققين، اللذين تم طردهما حين أصرا على صحة نتيجة تحقيقهما الذي اقتضى عاما. كشفت الوكالة جوانب « مستورة» من عمل الشركة الأمنية « سالي بورت غلوبل» ، المتعاقدة مع الادارة الامريكية بعقد قيمته 686 مليون دولار لضمان أمن قاعدة بلد الجوية، التي تقلع منها مقاتلات أف -16 لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية. وثق التحقيق عمليات تهريب معدات ومولدات تقدر اسعارها بالملايين، والانخراط بتهريب نساء لاغراض الدعارة بين الجنود، والتهريب « الروتيني للمشروبات الكحولية بكميات هائلة . واقامة سهرات يتناول خلالها الجنود والطيارون كميات هائلة من الكحول، ووصلت الامور حدا بحيث قام احد الطيارين بقيادة طائرة ال أف 16 الحربية وهو ثمل فكانت تتمايل يمينا ويسارا في الجو». وأكد المحققان لوكالة الانباء ان ادارة شبكة التهريب، بانواعه، كانت تدار من « فندق برهان»، الواقع على مبعدة خمس دقائق من مطار بغداد، وان هناك حلقة دعارة أخرى، خاصة بمتعاقدي الشركة الامنية، وان لم يصرحا بتفاصيل اكثر عنها.
هناك صمت مطبق، في السنوات الأخيرة، حول تواجد وعمل الشركات الأمنية، بالعراق، على اختلاف مسمياتها من الشركات العسكريّة الأمنية الخاصّة، الى شركات الحماية الأمنية، مرورا بالمقاولين الأمنيين والمرتزقة وكلاب الحرب وجيوش الظل. الصمت مفيد ومجز لكل الاطراف المتعاقدة والمستفيدة من طبيعة عمل هذه الشركات. سواء كانت الجهة عراقية أو أمريكية او الشركات نفسها الحاصلة على العقود الكبيرة من جهات متعددة أهمها وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) . حيث تنفذ هذه الشركات ، مهاما كانت تناط سابقا بقوات الجيش الامريكي وتكلفه حياة افراده بالاضافة الى التكلفة المادية العالية، واحتمال اثارة غضب الرأي العام الامريكي. أنها أرخص، خاصة، اذا كان مستخدموها من غير الامريكيين كما انها لا تخضع لقواعد الحرب وقوانينها في زمن خصخصة الحرب. النظام العراقي يتستر، بدوره، على تواجد المتعاقدين الأمنيين / المرتزقة لأنهم ارتكبوا جرائم بشعة موثقة، أجبرت الادارة العسكرية الامريكية على التحقيق فيها، فلم يعد من اللائق الا يعترض ساسة النظام على ما تظاهر « اهل الدار» بالاعتراض عليه، بالاضافة الى استفادة عدد من الساسة والمسؤولين من سمسرة العقود وغيرها.
أن ما كشفه المحققان الامريكيان قد يكون فضيحة من وجهة نظريهما ووزارة الدفاع الامريكية لأنه يشكل اخلالا بالعقد المبرم بين الجهتين الا انه يجب ان يعامل كجريمة لا تحتمل السكوت، من قبل الحكومة العراقية ، التي يفترض فيها تمثيل الشعب وحمايته. انها جريمة من ناحيتين: الاولى تتعلق بحياة وعدد الضحايا المدنيين ، في مدينة الموصل وغيرها، جراء القصف المستمر ، من قبل طيارين يقودون طيارات الأف 16 وهم سكارى والطائرات تترنح يمينا ويسارا، فكيف يميزون بين الاهداف؟ بين المستشفى والجامعة والمبنى الذي تستخدمه داعش للذخائر؟ كم من المدنيين سقطوا وقادة « التحالف» مع المسؤولين العراقيين يهينون الناس بادعائهم « المحافظة على أمن المدنيين»؟
الناحية الثانية، هي قضية الاتجار بالبشر والدعارة التي ، مثل العديد من القضايا الانسانية والاجتماعية المهمة، دُفعت جانبا « لأننا نحارب الارهاب»، كما يردد لنا رئيس الوزراء حيدر العبادى كلما ازداد عدد المعتقلين ، وطفت على السطح جثث من يقتلون تعذيبا في المعتقلات. جاءت الاستجابة لنشر التحقيق، من عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الكربولي، ( 6 أيار/مايو) الذي أعلن عن « عزم» لجنته تشكيل لجنة للتحقيق بتقارير تحدثت عن «فضائح جنسية وسرقات» في قاعدة بلد الجوية، مبينا أن «حصول أي خروق داخل القاعدة يسيء لسمعتها وسمعة العراق هو أمر لا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال». ولأن العزم على تشكيل لجنة ومن ثم تشكيلها بات مشجبا لدفع القضايا المهمة الى خزانة مظلمة لا يصله أحد، بامكاننا القول ان مصير هذه اللجنة ، اذا شكلت ، سيكون مصير المئات من قبلها. بلا نتيجة، على الرغم من توفر نتيجة التحقيق الامريكي بتفاصيلها التي باتت متوفرة للجميع ، ومعرفة الاماكن التي تدار فيها شبكات التهريب والدعارة ومن بينها فندق البرهان الذي ، ما ان تضع اسمه على « جوجل»، حتى يخبرنا، عبر شركة الحجز « بوكنغ دوت كوم» بانه في موقع ممتاز من ناحية حرية التنقل السريع، فهو «داخل فندق مطار بغداد الدولي، ويضم بارا ومطعما مع بوفيه.. تحتوي الغرف على تلفزيون بشاشة مسطحة مع قنوات فضائية وتكييف وميني بار». يشكل توفر الحقائق ، المذكورة بالتحقيق الامريكي، أرضية ممتازة لمساءلة الشركات الامنية التي يحيط الغموض بعددها وان ذكر رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان حاكم الزاملي في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016 « هناك ، في محافظة البصرة، وحدها، 700 شركة، ما بين أجنبيّة ومحليّة، وفي حوزتها 17 ألف قطعة سلاح متعدّدة الأنواع، وإنّ 75 ألف عنصر أجنبيّ يعمل في تلك الشركات» ، ولابد ان تصويت البرلمان في 26 كانون الثاني/يناير من عام 2017 على مشروع قانون الشركات الأمنيّة، سيساعد في سير التحقيق . كل هذا ممكن ، طبعا، اذا توفرت النية الصادقة، لدى أصحاب القرار وكان همهم حماية المواطن في بلد يتمتع بالاستقلال والسيادة.
٭ كاتبة من العراق