دفاعا عن قطر وعن الأمة
د. مثنى عبدالله
عجبا أن تتحول قطر بين ليلة وضحاها إلى دولة راعية للإرهاب، وأن يُحاصر شعبنا العربي فيها من قبل الأشقاء قبل الأعداء، حصارا يُذكّرنا بحصارهم للعراق على مدى أربعة عشر عاما، الذي فاق في تطبيقه الحرفي والتعسفي كل الإجراءات التي اتخذها معسكر الأعداء.
عجبا وألف عجب أن يخرج كل هذا الكم الهائل من الحقد والضغينة والعداء، وأن تصل الأمور إلى هذا الحد، بين نسيج اجتماعي متناغم ومنسجم، كما كانوا يقولون عنه. فلقد أثبتت الأزمة الراهنة أن مجلس التعاون الخليجي مجلس صوري وشكلي، وأن كل ما كان يجري فيه من اجتماعات ولقاءات وتقبيل لحى وأنوف ورؤوس، كلها إجراءات بروتوكولية وأعراف قبلية لا أكثر، وقد فقد مصداقيته اليوم أمام الآخرين، لأن الاجراءات التي اتخذتها دول ثلاث فيه ضد شقيقة لها سوف تخدم جميع اعداء الخليج والامة العربية.
لقد احتفلوا بالزائر الجديد في الرياض أيما احتفال، وباركوا قدومه بأكثر من أربعمئة مليار دولار وضعوها في رحله. وعندما وقف خطيبا بينهم قالها صراحة، عليكم إيقاف تمويل الإرهاب، ويجب أن تُخرجوا كل الإرهابيين من بين صفوفكم، ومن جوامعكم وأماكن عبادتكم. بمعنى أنكم إرهابيون حتى تثبتوا العكس. ولأنهم لم يكونوا مُصدّقين أن أمريكا ستعود إليهم مرة أخرى، بعد أن طلقهم أوباما وتزوج من إيران، وكي يبرهنوا له على أنهم أمناء وحريصون على العلاقة مع العهد الجديد، بحثوا عن كبش فداء يقدمونه عربون صداقة وحسن بداية، فلم يجدوا غير قطر. فكرّت المسبحة سريعا ضدها بإجراءات سياسية واقتصادية وأمنية وحتى اجتماعية لم يسبق لها مثيل. فأغلقت الحدود البرية والبحرية والجوية والمصارف والبنوك والخطوط الجوية، وتم سحب البعثات الدبلوماسية والطلب من رعايا قطر مغادرة أراضي دول شقيقة، لانهم باتوا يشكلون تهديدا للأمن في تلك الدول، حسب بيان المقاطعة الشاملة الذي صدر. وهي كلها إجراءات اتسمت بالمغالاة غير الطبيعية، إلى الحد الذي باتت فيه وكأنها نوع من أنواع إعلان الحرب، لأن بعض الاجراءات السياسية والاقتصادية شديدة الغلو التي تتخذها الدول ضد بعضها الآخر، تُصنّف في علم السياسة بأنها حرب بلا دماء.
في حين كان بإمكان صانع القرار السياسي السعودي، والإماراتي تحديدا، أن لا يُؤجج الامور ويُصعد من الاجراءات إلى درجة الغليان، وأن لا يدفع بالازمة إلى الخروج من المحيط الخليجي والعربي، حيث انها باتت اليوم قضية إقليمية ودولية أيضا، لانه في النهاية لابد من كل هذه الاطراف أن تجلس مع قطر إلى طاولة حوار. اللهم الا إذا كان في ذهنيتهم إجراء أخطر سيتم تنفيذه في مرحلة لاحقة، وبالتالي فهم تعمّدوا التصعيد اللامعقول، بغرض التهيئة إلى المرحلة اللاحقة. الاسئلة المهمة هنا هو أين رجال الدين في الخليج، خاصة هيئة كبار العلماء في السعودية؟ لماذا لم نسمع لهم رأيا يساهم في إطفاء الأزمة حتى اليوم؟ أين ما يسمونها مؤسسة القمة العربية ورئيس القمة ملك الاردن، الذي كان البعض يتصور أنه سيكون أول المساهمين في البحث عن حلول؟ أما من دور يجعلنا نُكذّب أنفسنا، التي آمنت بأن القمم العربية مسرحية هزلية مكررة؟ أين منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، التي باتت دائرة تابعة لوزارة الخارجية المصرية؟ بل السؤال الكبير هو كيف لدول تحترم نفسها وتقول إنها ذات سيادة، نجدها تتسابق في قطع العلاقات الدبلوماسية، أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، فقط لان السعودية والإمارات قطعتا علاقاتهما معها؟
إن قطر تعلم جيدا أن الانفجار الحالي لافتته المرفوعة هي دعمها للإرهاب، لكنه في الحقيقة هو تصفية حسابات قديمة معها مضت عليها عقود من الزمن. فذهنية القبيلة التي تحكم السياسة في بعض دول الخليج، ما زالت تحتفظ في ذاكرتها بموضوع التغيير السياسي الذي حصل في قطر عام 1995. وهو السبب نفسه الذي دفع قطر لتنويع علاقاتها على الصعيد الدولي والإقليمي، في نمط سياسي مختلف عن المسار السياسي الخليجي. كما أنها ذهبت بعيدا في الاستثمار الاقتصادي الخارجي، والاستثمار في تكوين رأي عام عربي وإفريقي وآسيوي، من خلال المنظمات التي تقدم خدمات إنسانية في ساحات الأزمات، مضافة إليها استثمارات كبيرة ومهمة في مجالات الإعلام والرياضة والعلاقات الدولية أيضا، حيث أن صانع القرار القطري يدرك جيدا العامل الجغرافي والديموغرافي في بلده، ويعلم أنه غير مرغوب فيه أو غير محبوب من قبل محيطه السياسي الخليجي، وهذه كلها إجراءات مشروعة أُريد منها توفير وسائل حماية لبلده، فقوة الفاتيكان على سبيل المثال ليست في جيش ومدرعات وطائرات وغواصات، بل في الكنيسة التي كانت تسيطر على أحزاب كاثوليكية كبرى في أوروبا. كما أن هنالك عوامل أخرى هي التي أججت الأزمة ضد قطر، منها أنها ملأت الفراغ الذي خلفته السياسات السعودية، سواء في المحيط أو في العالم، ونجحت في تقديم نفسها أمام المحافل الدولية كممثل للعرب، بعد أن كانت السعودية ومصر هما الممثلتين الشرعيتين الوحيدتين للعرب أمام أوروبا وأمريكا. كما دخلت الامارات مؤخرا في منافسة قطر، بعد أن لاحظت الدور الاستراتيجي القطري في المنطقة.
أما موضوع الشروع بقطع أذرع إيران، وأن قطر هي إحدى هذه الاذرع، وأن عودة العلاقات الخليجية معها شرطه الاول (الابتعاد عن عدو الخليج الاول إيران التي تتآمر على دول الخليج للهيمنة عليها) حسب تصريح وزير الخارجية البحريني، فهو قول يناقض حقائق كثيرة في الوسط الخليجي تحديدا، فالمبادلات التجارية بين الإمارات وإيران، التي تحتل جزءا من أراضيها منذ عقود من الزمن، جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، يبلغ حوالي 25 مليار دولار سنويا، كما تحتفظ الكويت وعُمان ومصر بعلاقات اقتصادية وسياسية متطورة مع عدو الخليج الأول إيران. إذن لماذا هذه الازدواجية في التعامل مع قطر؟
إن سياسات الحصار والتجويع وترويع الناس الآمنين، وتشتيت العوائل بين الاشقاء، كلها إجراءات تزيد من نسبة الكافرين بالعروبة، وتلقي بنا مجبرين في أحضان الآخرين الذي لا يريدون خيرا للأمة. كما كان من الغريب جدا أن تُجرّم دولة الامارات كل من يتعاطف مع قطر بعقوبة تصل إلى السجن لمدة 15 عاما وغرامة لا تقل عن 500 الف درهم، بينما لم نسمع من قبل أن قانونا بهذا الاتجاه قد صدر ضد من يتعاطف مع إيران، وهو دليل واضح على وجود تأييد لموقف قطر، واعتراضات واسعة على الاجراءات المتخذة ضدها. وهنا لا بد من التذكير بأن على دول الخليج التي تتهم قطر بالارهاب، أن لا تنسى بأن نائب الرئيس الامريكي السابق بايدن، كان قد اتهمهم هم أيضا بدعم الارهاب، أي أن هذا الملف سيطرح عاجلا أم آجلا على بساط البحث أيضا، لأن الامريكان لا ينطقون عن الهوى بل يعرفون جيدا كل ما يدور في الخليج خاصة.
باحث سياسي عراقي