أمريكا في العراق: استقروا فيه آمنين! ... هيفاء زنكنة
تؤكد التصريحات الأخيرة لوزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) نية الإدارة الأمريكية الإبقاء على القواعد العسكرية وتفعيل «الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية» مع الحكومة الجديدة بعد اجراء الانتخابات. تتطابق هذه التصريحات مع واقع العمليات التي تخوضها أمريكا، داخل العراق.
فعلى الرغم من سيل خطب وتصريحات الانتصار والقضاء على «الدولة الإسلامية»، وتقديم الانتصار باعتباره قد تحقق «بأياد عراقية خالصة وببطولات وتضحيات العراقيين»، حسب رئيس الوزراء حيدر العبادي، فان طائرات التحالف لا تزال تقصف أماكن مختلفة من العراق، «لمطاردة فلول داعش الإرهابي»، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تُعلن عن انطلاق عملياتها المستمرة في سوريا والعراق، مما يثير التساؤل حول عديد البيانات الصادرة من الجانبين العراقي والأمريكي المتعلقة بالعمليات الموصوفة بانها مبنية على معلومات استخبارية دقيقة، وذلك لاستمراريتها، وكثرتها، وأعداد الضحايا من المدنيين في الفترة التي أعقبت إعلانات الانتصار والاحتفال به. فما الذي حدث للوعود الكبيرة بالاستقرار والأمان والاعمار، في الفترة التي اُطلق عليها أسم «ما بعد داعش»؟، وما هو دور الصراعات بين الأحزاب والميليشيات المتنفذة في هذه الفترة، وهل هناك دور أمريكي بالإضافة إلى الإيراني؟، وما مدى صحة كون العمليات العسكرية والقصف يستهدفان، فعلا، بقايا تنظيم « الدولة الإسلامية»؟.
بالنسبة إلى وعود الاستقرار، تكفينا عودة سريعة إلى ساحة الطيران، ببغداد، لندرك حجم أكذوبة الأمان الموعود الذي بات سرابا، ما ان يقترب منه المواطن حتى يتحول إلى مشروع موت فردي أو جماعي.
أدى تفجير ساحة الطيران الإرهابي إلى قتل وجرح 80 مواطنا، معظمهم من العمال الفقراء. في مرثية كتبها شوقي كريم حسن، يحدثنا بقلب يختزن وجعا لا حد له، عن بائع الشاي بشار الذي» جاء بغداد من مدينة الشطرة، جنوب العراق، ليسد رمق خمسة اطفال يحلمون بحياة تحفظ كرامتهم.
ظل بشار يمنح الحياة لروح المغني داخل حسن ممزوجا بأحزان الشطرة التي فارقها مكرها. كلما طلبت منه الشاي، ابتسم قائلا: قل لي علة حب أهل الشطرة للشاي والغناء. ونهيم معا في ذكريات قحط وفرار. اليوم، كان بشار بغاية الفرح لأنه قرر زيارة الاطفال والزوجة التي تنتظر، بعد ان وفر لهم ما وفر. وفجأة، تناثرت بسطية بشار، أغمض بشار عينيه محاولا استرجاع وجوه أولاده، لكنه فشل. فشل بعد ان وجد نفسه دون أطراف، دون ملامح. مات بشار. قتلته زمر الفساد التي تتقاتل من اجل نهب البلاد».
إثر التفجير، أصدر الساسة العراقيون بيانات الاستنكار والادانة والاتهامات الجاهزة. شاركهم النحيب المفتعل سفراء وحكام دول عربية، ولم يقصر المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون في ذرف كلمات الأسى. في ذات الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات ترويع الناس والأمريكيون سياسة القصف واستهداف المدنيين، الذين لا يعلن عن قتلهم أو احصائهم أو الإشارة إليهم، ما دام مشجب «داعش» لايزال حيا يُغذى بالبيانات، والتصريحات المنمقة، والتطبيل الإعلامي.
وعند تمحيص مدى استخدام مشجب داعش لتبرير القصف، يتبين من بيان للتحالف، في 12 كانون الثاني/ يناير «ان قوات التحالف العسكرية في الفترة من 5 – 11 كانون الثاني/يناير 2018، نفذت 96 غارة تألفت من160 اشتباك ضد إرهابيي داعش في سوریا والعراق»، ذلك أن قوة المھام المشتركة في عملية العزم الصلب «ملتزمة من أجل تحقيق الهزيمة الحتمية لداعش والحد من قدرتها على تأسيس شبكات جديدة أو إعادة الظهور في العراق وسوريا»، ويتوسع خطاب الترويع الإعلامي الأمريكي ليتضمن بالإضافة إلى تهديد داعش للعراق وسوريا، تهديدها «المجتمع الدولي ككل»، مما يعيد إلى الأذهان حملة التضليل الإعلامي الأمريكي – البريطاني التي مهدت لغزو العراق، باعتباره يمتلك أسلحة الدمار الشامل القادرة على تهديد أوروبا خلال 45 دقيقة.!
إن استخدام ذريعة حماية العالم يترجم على أرض الواقع، بأن لقوة المهام المشتركة أو الولايات المتحدة وحلفائها، المبرر الشرعي للبقاء على أرض العراق وسوريا مدة تفرضها هي، ووفق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. إبقاء حضور داعش، اذن، حيا أو ترهيب الدول والناس، بحضوره، ضرورة يتوجب المحافظة عليها لكل الجهات الراغبة بإبقاء العراق ضعيفا، ممزقا، تسهل الهيمنة عليه، سواء كانت الجهات محلية متحالفة مع الدول الإقليمية، أو الولايات المتحدة، أو كليهما معا.
وفي الوقت الذي ينفي فيه النظام العراقي وجود قواعد عسكرية أمريكية، مؤكدا «أنه لا وجود لقوات مقاتلة من أي دولة على الأراضي العراقية» حسب حيدر العبادي، والاكتفاء بالإشارة البسيطة، أحيانا، إلى ما يسمى «الدعم الجوي»، تؤكد التصريحات الرسمية الأمريكية، من وزارة الدفاع (البنتاغون) بشكل خاص، بأن استمرار وجود القوات العسكرية ضروري، إلى ان يتم «القضاء كليا على داعش».
وقد ذكر موقع «غلوبال ريسيرج» الأمريكي، في 23 كانون الثاني/يناير، ان هناك ست قواعد عسكرية للولايات المتحدة في العراق. وهناك ما يشير إلى انشاء قواعد أخرى. لن تكون هذه القواعد بالحجم السابق الذي كانت عليه قبل انسحاب قوات الاحتلال عام 2011، إلا أنها ستكون قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة ومنها السيطرة الجوية والاستخباراتية والاغتيالات بواسطة الطائرات بلا طيار، أهم القواعد العسكرية، حسب موقع «ميل اونلاين» البريطاني، هي: مطار صدام الدولي السابق خارج بغداد، وقاعدة تليل الجوية بالقرب من الناصرية، في الجنوب، والقاعدة الجوية المعروفة باسم اتش -1، في الصحراء الغربية، ومطار باشور في شمال العراق. ولموقع أتش 1 الاستراتيجي أهمية خاصة، حيث توجد فرق القوات الخاصة حاليا، لكونه على مسار خط أنابيب النفط إلى الأردن.
فهل هذه طريقة النظام العراقي المبتكرة في انهاء الاحتلال الأمريكي، الذي تحدث عنه محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الاعلى قائلا بأنه سيتم التخلص منه خلال ستة أشهر، وان التعاون معه مجرد تقاطع مصالح مؤقت، كما كرر قادة الأحزاب «الإسلامية» من بعده؟ ماذا عن «كلا… كلا لأمريكا»، شعار السيد القائد مقتدى الصدر دام ظله؟ وكيف ستتفاعل سياسة الحزب الشيوعي «العلماني» باعتبار الاحتلال «تغييرا» مع «كلا لأمريكا» في مرحلة التحالف «المدني» بين التيار الصدري والحزب؟ ماذا عن عموم الشعب العراقي؟.
يبدو من متابعة أخبار انتشار القواعد العسكرية، بشكل علني، أن الاحتجاج ضدها آت من اجنحة في الإدارة الأمريكية وعدد من المنظمات الأمريكية والأوربية.
أما صوت الشعب العراقي، كقوة رافضة، تساهم في تغيير القرار، ليس مسموعا بعد.