إحباط يسبق انطلاق مؤتمر إعمار العراق في الكويت
حكومة العبادي تعرض مشاريع استثمارية مقدمة منذ أعوام ولم يتقدم إليها أحد.
العرب [نُشر في 2018/02/12، العدد: 10898، ص(1)]
بانتظار مشاريع جديدة
الكويت - يجتمع في الكويت اليوم ممثلو نحو 70 دولة، فضلا عن البنك الدولي، لبحث فرص مساعدة العراق في عملية إعادة إعمار مناطقه التي دمرتها الحرب على تنظيم داعش، بتكلفة تصل إلى 100 مليار دولار.
وأعدت بغداد وفدا كبيرا يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويضم نحو 100 مسؤول عراقي بدرجات مختلفة، يمثلون مختلف الوزارات والمحافظات والهيئات والشركات العامة والخاصة، فضلا عن ممثلي منظمات المجتمع المدني.
وبالرغم من أن العراق يعول كثيرا على هذا المؤتمر، الذي سيحضره وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ويرعاه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح شخصيا، فإن توقعات المراقبين تبدو محبطة للعبادي.
وبسبب الفساد المستشري في أروقة الأجهزة الحكومية، تخشى الدول المانحة أن تتسرب الأموال التي تدفعها للعراق من أجل إعادة إعماره إلى حسابات كبار المسؤولين العراقيين.
وبالنسبة لشبكة الفساد المالي والإداري المرتبطة بأجهزة الدولة العراقية، فإن مؤتمر الكويت يمثل فرصة ذهبية لكسب المزيد من الأموال، بحسب صحافيين عراقيين متخصصين في متابعة قضايا الفساد.
ولدى العراق تجارب سابقة مع المنح الدولية، التي عادة ما يختفي أثرها بين جهات حكومية عدة، فيما تعجز الأجهزة الرقابية عن تتبعها بسبب البيروقراطية الشديدة وتضارب المصالح.
وعلمت “العرب” من مصادر دبلوماسية رفيعة في بغداد، أن “حكومة العبادي تلقت إشعارا من بعض الدول الكبرى، تؤكد فيه رفضها دفع أموال نقدية لأي جهة حكومية عراقية خلال مؤتمر الكويت”.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مسؤول أميركي لم تسمه، أن بلاده لن تسلم بغداد أموالا نقدية بعد المؤتمر.
وبدلا عن ذلك، ستحاول الدول المانحة الدفع بشركات متعددة الجنسيات، لتتولى عمليات إعمار البنى التحتية في مناطق العراق المدمرة بفعل الحرب، على أن يتم تمويل هذه المشاريع من صندوق دولي مشترك برعاية الأمم المتحدة.
ومع هذا، يتوقع مراقبون أن تنفذ هذه الشركات عمليات محدودة لا تغطي سوى نصف حاجة البلاد، وفق أفضل التقديرات.
ولتعويض هذا النقص أعدت بغداد مجموعة من العروض وصفتها بأنها “فرص استثمارية”، ستعرض على الشركات الدولية في الكويت على أمل التوقيع معها.وبحسب مصادر مطلعة تحدثت مع “العرب”، فإن “أطرافا في الفريق الاستشاري الخاص برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أبدت اعتراضها على خارطة المشاريع الاستثمارية التي سيعرضها الوفد العراقي على الشركات الأجنبية في الكويت”.
ويقول المعترضون إن قائمة المشاريع الاستثمارية التي سيقدمها العراق في الكويت، تضم فرصا استثمارية معروضة منذ أعوام، ولم يتقدم إليها أحد بسبب الشروط التعجيزية التي تتطلبها.
واعتبر الكاتب السياسي وأستاذ الإعلام السابق في جامعة بغداد، لقاء مكي، أقصى الأهداف التي وردت في ورقة الوفد العراقي إلى مؤتمر إعمار العراق يمكن أن تحقق برنامجا تنمويا مقبولا في حال افترضنا غياب الفساد وسوء الإدارة، لكنها حتى في هذه الحالة لن تسعف الملايين من سكان المحافظات المنكوبة الذين ستضيع منهم آخر فرصة لإعمار مناطقهم.
وقال “تتضمن ورقة الوفد العراقي إلى المؤتمر 43 مشروعا منها 13 فقط في المحافظات المنكوبة بالحرب، وحتى هذه ليست فيها مشاريع حقيقية لإصلاح وبناء البنية التحتية أو إعمار عشرات الآلاف من المباني والدور المهدمة”.
ولا يملك العراق نظاما بنكيا صالحا لتدوير رؤوس الأموال الأجنبية، فيما تمنع قوانين البلاد السارية الأجانب من امتلاك الأراضي إلا بشروط صعبة.
ويقول مختصون إن هذه البيئة تصنف على أنها “طاردة” للاستثمارات.
ووفقا لمختصين، فإن إصلاح البيئة التشريعية التي تتعلق بالاستثمار في العراق، يحتاج إلى عمل كبير من البرلمان المنقسم والمنشغل بالخلافات السياسية.
ولا تقف تحديات الاستثمار في العراق عند حد الإشكاليات التشريعية فحسب. وسبق لمستثمرين أجانب أن تعرضوا إلى الابتزاز في العراق، واضطروا لدفع أموال لجهات سياسية أو أجنحة مسلحة مرتبطة بها، ليتمكنوا من إكمال أعمالهم.
واضطرت شركة تركية تعمل في مطار بغداد إلى دفع نحو 100 ألف دولار، العام 2015، لوسيط عراقي ليتسنى لها الحصول على رخص تتعلق بدخول بعض المواد الضرورية لإنجاز العقد الذي حصلت عليه بشكل رسمي من الحكومة العراقية.
ويمكن للابتزاز أن يعرقل عمل أي مشروع استثماري، على غرار ما حدث لشركة بتروناس الماليزية التي تعمل على تطوير حقول نفطية في الناصرية جنوب العراق. واضطرت بتروناس لتشغيل جميع أبناء عشيرة كبيرة في المنطقة هددت بتخريب منشآت التنقيب.
ولم تستطع الشركة ضبط بيئة العمل، إلا بعدما عينت جميع الشبان الذين ينحدرون من العشيرة المذكورة ودفع مبلغ كبير لشيخها.
وورد في حينها أن شيخ هذه العشيرة تحرك لتهديد الشركة الماليزية، مدفوعا من أحد أقارب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
واعتبر الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف إرادة الإعمار هي واحدة من أهم المفقودات في العراق الجديد، مشيرا إلى أن أي محاولة في هذا الشأن هي عبارة عن مسعى فاشل، “لأنك مهما جمعت من أموال فستلقيها في ثقب أسود صنعه الفاسدون بإتقان”.
وقال “الأمر يتعلق بالإرادة وهي آخر ما يمكن أن يفكر فيه الفاسدون، إرادة الإعمار غائبة لأن الوطنية محيت. وما لم يتوحد الشعب العراقي عند خط شروع واحد فإن حجرا لن يبنى في بلادهم”.