النازحون العراقيون… ورقة لعب طائفية
هيفاء زنكنة
ما ان قرعت طبول الانتخابات، بالعراق، وبدأ الساسة يتنازعون حول من يتحالف مع من، وأي «المكونات» صالحة للاستخدام كشعار في الحملات الانتخابية، حتى طفت على السطح، مأساة النازحين التي ارادوها مطمورة تحت ركام المباني المهدمة. صار إيجاد حل لمأساة النازحين مطلبا انتخابيا، فكانت النتيجة تحويل النازحين ضحية انتخابية. تبدلت مأساة النازحين من العيش في المخيمات إلى مأساة بشكل آخر. حيث سارعت الحكومة، متمثلة بالقوات الأمنية وميليشيا الحشد الشعبي، بتطبيق سياسة العودة الاجبارية.
صاغت الحكومة شكل المأساة الجديد، لعدة اسباب، الاول: تماشيا مع سياستها الهادفة إلى التخلص من مواطنين لم يجلبوا لها غير المتاعب، حسب خطابها الجيوسياسي في الغربلة الطائفية، التي اصبحت واقعا، فعليا، بعد مرور 15 عاما على تأسيس حكومات الاحتلال. السبب الثاني، هو الظهور، أعلاميا، بمظهر الحكومة الحريصة على حل مشكلة باتت، لفرط حجمها، سببا لجلب انظار المنظمات الدولية الانسانية وعدد من دول «التدخل الانساني»، خاصة، بعد ان احتفل الجميع بالانتصار على تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية». ثالثا: السياسة الدولية الضاغطة حول ربط منح المساعدات والقروض بعودة النازحين. اذ تمت مناقشة الحاجة الماسة لإعادة الإعمار السريع، للعراق، مع المساعدة في إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، في مؤتمر الكويت الدولي لإعادة اعمار العراق الذي عقد أخيرا.
من بين الشروط التي أكدت عليها منظمة الامم المتحدة في العراق، كجزء من الحل المطروح لمعالجة قضية اعادة النازحين، وبالتالي جمع الموارد لتحقيقها، ان تكون «العودة طوعية وآمنة ومستدامة»، اذا ما أريد تحقيق الاستقرار والسلام على المدى الطويل. فعودة النازحين لا تعني «مجرد العودة إلى المنازل وإنما العودة إلى المجتمع» وان كانت «الآثار التي تركتها السنوات الماضية لا تزال موجودة في جميع أنحاء البلاد: مدن متضررة بشدة، ومجتمعات مشتتة، وجيل من الأطفال معرض لخطر الضياع ووجود نحو.62 مليون نازح».
تمثلت استجابة الحكومة لنداءات النازحين، وتفاصيل حياتهم المأساوية، المطبوعة والمصورة، باطلاق التعهدات. تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو واقف على منصته الاسبوعية، بإعادة النازحين إلى منازلهم. وتحدث رئيس البرلمان سليم الجبوري، وهو جالس على منصته في البرلمان، عن ضمان مشاركة النازحين في الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو المقبل. وسارع رؤساء «الكتل» باطلاق الوعود، من منابرهم الصحافية، حول ضرورة إغلاق جميع المخيمات قبيل إجراء الانتخابات.تنافس الجميع في سباق الفوز بكأس «مأساة النازحين» شعارا. ونشرت اجهزة الاعلام أخبارا تؤكد إن وزارة الهجرة العراقية وضعت آليات لضمان عودة النازحين إلى مناطقهم بعد تأهيل اماكن سكنهم.
خلال ضجة التصريحات والتعهدات والتوظيف السياسي للعديد من المآسي، تصاعدت اصوات نازحين محتجين بطريقة مختلفة عن السنوات الماضية. ففي السابق، كانت السياسة الشائعة هي منع عودة النازحين إلى مناطقهم، بعد انتهاء الاقتتال بسنوات، كجزء من سياسة التغيير الديموغرافي لتلك المناطق، بينما تقوم السلطات الحكومية، الآن، باجبار النازحين على مغادرة الخيام عن طريق قطع الدعم بشكل كامل عنهم اي حرمانهم من المواد الغذائية والوقود، لاعادتهم إلى مدن مهدمة تحتاج سنوات لتنظيفها من الالغام ومدها بالبنية التحتية، والى منازل، تشكل خطرا على حياتهم، أكبر بكثير، مما لو بقوا في الخيام. لذلك، وبسبب انعدام الأمن والخدمات، في غرب الموصل، مثلا، عادت حوالي 600 أسرة إلى مخيم الحاج علي، محافظة نينوى، خلال كانون الثاني/ يناير.
وفي الوقت الذي انكرت فيه الحكومة اجبار النازحين على العودة، وبرر العبادي قائلا «ربما حدثت بعض حالات العودة القسرية الا أنها حالات فردية «، ذكر تقرير أصدرته ثلاث منظمات اغاثة تعمل بالعراق، هي لجنة الإنقاذ الدولية والمجلس الدنماركي والمجلس السويدي للاجئين بالعراق، في 28 شباط / فبراير، أن السلطات العراقية تجبر آلاف النازحين على العودة إلى ديارهم على الرغم من إمكانية تعرضهم لخطر الموت جراء الأعمال الانتقامية. وان «الكثير من حالات العودة تتم قبل الأوان، ولا تفي بمعايير السلامة الدولية والكرامة والعودة الطوعية». وأن «ما لا يقل عن 8700 نازح من محافظة الأنبار أجبروا على ترك المخيمات والعودة إلى مناطقهم في الأسابيع الستة الأخيرة من عام 2017». يشير التقرير، ايضا، إلى ان أكثر من نصف العراقيين النازحين موجودون في 61 مخيماً ولا يريدون العودة إلى ديارهم.
وفي حال لم يفهم ساسة الحكومة العراقية معنى العودة الآمنة ولم يجب الامتناع عن سياسة الاعادة القسرية، يوضح لهم الأمين العام للمجلس الدنماركي للاجئين كريستيان فريز باخ: «العودة الآمنة والمستدامة تعني أنك تستطيع العودة إلى منزلك، وأن تكون آمناً وتحصل على المياه والتعليم والمساعدة الطبية. مع غياب حل امني وسياسي مستقر، وضمانات وإعادة إعمار، لا يسعنا وينبغي علينا ألا نرغم الناس على العودة». ما الذي تعنيه حقيقة ان نصف النازحين لا يريدون العودة إلى منازلهم، ونحن هنا نتحدث عن العراقي المعروف بصعوبة اقناعه حتى بالسفر لأنه سيشعر بالغربة؟ هذا يعني نجاح حكومات الاحتلال المتعاقبة في ترويع وإرهاب المواطنين، وزرع الفتنة بالاضافة الى، وهنا الطامة الكبرى، نجاحها في نقل فايروس روح الانتقام الذي شكل صلب وجودها منذ عودة ساستها مع المحتل. هذه العوامل المهددة لحياة النازح وحياة عائلته هي التي تمنعه من العودة إلى مكانه الذي يتحرق شوقا للعودة اليه.
هكذا، سيصبح التغيير الديموغرافي الذي سعت اليه حكومات الاحتلال، بكل السبل، واقعا، بامكان الحكومة الادعاء بانها ليست مسؤولة عنه بل انها تعمل على اعادة النازحين بكل الطرق الممكنة. وهو اسلوب يماثل ما تقوم به الحكومات عندما ترغب بخصخصة شركة عمومية مثل خطوط الطيران فتعمل تدريجيا على تدهور عملها إلى ان يصبح مطلب الناس بالنتيجة هو الخصخصة بدلا من المطالبة باجراء التحسينات.
ان استخدام حياة النازحين كورقة لعب يتسلى بها ساسة الاحتلال، سيجر البلاد وما حولها إلى ما هو أعمق من الهوة الحالية، و« لن يكون هناك أمل في السلام في العراق ما لم تضمن السلطات عودة الناس بأمان إلى ديارهم»، كما حذر مدير المجلس النرويجي للاجئين في العراق، «من المأساوي أن نرى الناس يشعرون بأنهم في أمانٍ في المخيمات أكثر مما هم في منازلهم في الوقت الذي يفترض أن يكون النزاع قد انتهى».
٭ كاتبة من العراق