حيدر العبادي يتحالف مع الفاسدين من حزب الدعوة ويخيب آمال الناخبين
- كل ما فعله حيدر العبادي طيلة السنوات التي قضاها على رأس الحكومة العراقية لترسيخ صورته كرجل للإصلاح والانفتاح مختلف عن سلفه ورئيس حزبه نوري المالكي، عصفت به خياراته الانتخابية التي بينت أنّه مجرّد فرد عادي في العائلة السياسية الشيعية في العراق التي تتحكّم بها إيران وتضع لها قواعد اللعب وترسم لها الخطوط الحمراء الواجب عدم تخطّيها.
العرب [نُشر في 2018/02/21، العدد: 10907، ص(3)]
هامش من اللعب داخل حدود مرسومة سلفا
بغداد - تتسبب الأخطاء السياسية التي يرتكبها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالمزيد من الضرر لشعبيته التي قفزت بعد سلسلة الانتصارات التي تحققت في عهده على تنظيم داعش وإدارته لملف العلاقة مع إقليم كردستان والتي نجحت في إبطال مفعول الاستفتاء الذي أجراه أكراد العراق في سبتمبر الماضي، لتقرير مصيرهم.
وبدأت أخطاء العبادي السياسية، بذهابه إلى التفاوض مع فصائل عراقية مسلحة توالي إيران، من أجل تشكيل تحالف انتخابي لخوض الاقتراع المقرر في 12 مايو. وبالرغم من توصّله إلى اتفاق معه، إلاّ أنه لم يصمد سوى لساعات.
وترك هذا التوجه علامات استفهام بشأن نوايا العبادي الانتخابية وخلّف انطباعا بإخلافه لوعوده بالتحالف مع وجوه سياسية جديدة والانفتاح على المعتدلين.
وزاد العبادي الطين بلّة عندما أدخل في تحالفه الانتخابي، تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي يُتهم ممثلوه في الحكومة بالتورط في قضايا فساد. ولكن تحالف العبادي مع “الحكمة” لم يصمد أيضا، ليقرر رئيس الوزراء خوض الانتخابات من دون تحالفات مهمة.
لكن القوائم التي نشرتها مفوضية الانتخابات، وتضمّنت أسماء المرشحين في بغداد والمحافظات، شكّلت صدمة للشارع السياسي العراقي، وفتحت باب النقد مجددا على الخيارات السياسية للعبادي.
وضمّت قوائم العبادي في بغداد والمحافظات شخصيات جدلية، كانت تصنّف على أنها من ضمن الصقور في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، على غرار علي الأديب المعروف بصلاته الواسعة بإيران وخالد العطية الذي فشل في الحصول على مقعد خلال انتخابات 2014، ومحمود الحسن الذي عرف بمواقفه المتشددة ضد المجتمع المدني العراقي وبتوزيعه قطع أراض وهمية لإقناع الناخبين بالتصويت له في انتخابات 2014، وعباس البياتي، صاحب نظرية “استنساخ المالكي” العام 2014 التي قدمها ردا على سؤال طرح عليه في برنامج متلفز مضمونه “ماذا لو مات المالكي”. ويعلّق أحد السياسيين العراقيين على وضعية العبادي بالقول إنّ الرهان عليه انطوى دائما على مجازفة عنوانها الأمل في أن يصنع الرجل مسافة تفصل بينه وبين الأحزاب الدينية. وبسبب اليأس المطبق من كل الجهات فقد تعلّق العراقيون بتلك القشة التي كان من المحتّم أن تغرقهم بالأوهام. فالرجل الذي قضى حياته كلها في أقبية حزب الدعوة وتشبّع فكره بنزعة ذلك الحزب الطائفية لا يمكنه بين عشية وضحاها أن يختط له طريقا بعيدا عما تربى عليه.
- اقتباس :
- العبادي المتشبع بفكر حزب الدعوة لا يمكنه بين عشية وضحاها أن يختط له طريقا بعيدا عما تربى عليه
صحيح -يضيف السياسي ذاته- أن السلطة وامتيازاتها تشكّل عنصر إغراء من شأنه أن يدفع إلى التحول، غير أن ضمانات البقاء في السلطة في الوضع الذي يعيشه العراق لا ترتبط بالإصلاح والوقوف ضد الفساد الذي يديره حزب الدعوة. كما أن دخول الحشد الشعبي طرفا في النزاع السياسي في إمكانه أن يطيح بالعبادي إذا ما قرر على سبيل المثال نزع سلاح الميليشيات وهو واحد من أهم المطالب التي رفعها أنصار التيار المدني.
وليس واردا بالنسبة للعبادي التخلي عما هو متاح من خيارات يختلط من خلالها البعد الديني- المذهبي بالجانب السياسي-الميليشياوي. لذلك فقد اقتصرت لعبته الانتخابية على التحالف مع أطراف، لا يشكّل وجودها خطرا على تلك المعادلة المقبولة إيرانيا. وهو ما يؤكد أن العبادي لم يفكر في تجاوز الخطوط الحمراء ومغادرة الحاضنة الإيرانية وهو يعرف جيدا أنه من غير المسموح أن تسود الانتخابات لغة لا تتوافق مع المشروع الإيراني.
وليس مفاجئا إذن أن تُجرى الانتخابات بين أطراف، كلها تُدين بالولاء لإيران، وليس مفاجئا بالتالي أن يكون العبادي جزءا من تلك اللعبة. وهو ما يسهّل عليه البقاء في السلطة لولاية ثانية، إلا إذا قررت إيران سحب البساط من تحت أقدام حزب الدعوة وهو أمر مستبعد، على الأقل في الوقت المنظور.
ويقول مراقبون إن العبادي أمعن في تكريس خيبة الأمل في صفوف المعوّلين عليه، الذين ازدادت أعدادهم كثيرا العام 2016 وهو العام الذي بلغت فيه شعبية رئيس الوزراء العراقي ذروتها.
وتعتقد أوساط سياسية واسعة الاطلاع في بغداد، أن “الأخطاء التي ارتكبها العبادي هبطت بحظوظه التي كانت تدور حول تحقيق اكتساح انتخابي في بعض المحافظات، إلى نتائج مقاربة لتلك التي سيحققها منافسوه البارزون في الساحة الشيعية”.
ويتنافس العبادي مع تحالف الفتح، الذي يتزعمه هادي العامري زعيم منظمة بدر والمقرّب من إيران. ويجمع هذا التحالف جميع ممثلي الفصائل المسلحة الموالية لطهران، ويتوقع أن يكون منافسا شرسا لقائمة رئيس الوزراء.
وفي الساحة الشيعية، سيختبر العبادي مستوى شعبيته في مواجهة زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي مازال يحظى بحضور مؤثر في المشهد العراقي مستندا إلى دعم إيراني قويّ.
كذلك يواجه العبادي منافسة مهمة من تحالف تشكل تحت ظل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي عُرف مؤيدوه بخبرتهم الانتخابية الكبيرة في عمليات الاقتراع السابقة. ورغم أن الصدر، هو أحد الحلفاء المحتملين للعبادي بعد الانتخابات، فإن مرشحيه سيزاحمون مرشحي رئيس الوزراء في جميع الدوائر.
ومع أن العبادي دفع بمرشحين سنة لخوض الانتخابات في الأنبار وديالى وصلاح الدين والموصل، إلا أن التوقعات تشير إلى صعوبة حصوله على مقاعد كثيرة في هذه المحافظات. ووفقا لمراقبين، فإنه باستثناء وزير الدفاع السابق، خالد العبيدي، الذي يقود قائمة العبادي في الموصل فإن أحدا من مرشحيه الآخرين في المحافظات السنية لن يفوزوا بمقاعد.