وشهد شاهد من زعامات العراق الجديد
د. مثنى عبدالله
October 21, 2013
على مدى ما يقرب من ثماني سنوات كان المالكي لا يدع مناسبة الا واستغلها للتثقيف والدعاية لدولة القانون في
العراق الجديد، حتى القائمة التي خاض فيها انتخابات العام 2010 كان قد اختار لها تسمية دولة القانون، للتعبير عن منهجه السياسي الذي ادعى ان القانون هو اساسه واصوله وفروعه، لكن حصيلة ولايتين تولاهما كانت صورا مروعه لانتهاكات مقصودة ومتعمدة لكل القوانين والشرائع السماوية والوضعية. لقد رجم بعنجهيته واستبداده وطائفيته تاريخ كل القوانين، منذ بزوغ فجرها على يد حمورابي وحتى اليوم، ومزق كل العهود والمواثيق التي صاغتها البشرية في مجالات حقوق الانسان.
لقد اصر طوال ظهوره المفاجئ على الساحة السياسية على تشظية المجتمع وخارطة العراق السياسية والجغرافية، واثارة النزاعات والصراعات داخل النسيج الوطني، وحتى داخل الطبقة السياسية التي اتت به الى السلطة، وحرص مرارا على صنع الازمات والعمل على ديمومتها. انه يؤمن بان خلق الازمات والتناقضات في الواقع السياسي واللعب عليها، يبني له حيزا يتخندق فيه للهرب من استحقاقات رقابة الرأي العام والقوانين والاعراف والشرائع، فتوصل الى نتيجة واحدة ابتدعها لنفسه، هي ان القوانين تحد من صلاحياته، والعمل المؤسساتي يعرقل رغبته الجامحة في البقاء في السلطة، لذلك سعى جاهدا الى قيام دولة من دون مؤسسات. كانت مؤسساته تجمعات حزبية منشقة واستعراضات ميليشياوية ومؤتمرات عشائرية يستمد منها شرعية البقاء في السلطة، لذلك وقف بينهم ليعلن انه لن يعطي السلطة، في موقف يناقض كل اقواله عن الديمقراطية. وها هو اليوم يؤكد هذا المنهج المنحرف عندما يتحدث على الملأ عن المهـــــمة التي قــــام بــــها ابنه حينما خرج على رأس قوة عسكرية كي يلقي القبض على شخص ما، ويصادر اموالا وسيارات واسلحة كانت بحوزته، وهو في حديثه هذا يؤكد انه ليس قائدا عاما للقوات المسلحة كما يوصــــف، بل انه زعيم ميليشياوي يعتمد على العائلة والاقرباء والحاشية، لتنفـــيذ مهمات هي من صلب واجبات اجهزة الدولة في الدول الديمقراطية.
واذا كان كما يقول بان الاجهزة الامنية ترددت عدة مرات في القاء القبض على هذا الرجل، فهل يستحق ان يوصف بأنه القائد العام للقوات المسلحة؟ بل هل يمكن اطلاق صفة قوات مسلحة على اجهزة امنية تعجز وتتردد في القاء القبض على شخص صدرت بحقه مذكرة قضائية؟
ان هذه الحالة تذكرنا بالعرف العسكري الذي يقول بان الوحدة بأمرها، فكيف ما يكون الامر او القائد العسكري تكون الوحدة العسكرية، اي ان سلوكه وامكاناته وخبراته تنعكس تماما في صفات القطعات التي تأتمر بأمره. كذلك يكشف هذا الحديث الازمة التي تعانيها المنظومة القضائية، التي باتت قراراتها صدى لمواقف سياسية، فعجزت تماما عن جعل القانون هو السائد في البلد، بعد ان فقدت القدرة على تطبيقه على السائل والمسؤول والراعي والرعية والوزير والخفير بالتساوي، وهي بهذا الفعل خسرت قوتها المعنوية وهيبتها في المجتمع، فلم يعد لقراراتها اثر مادي يخشاه اللصوص والمفسدون.
ان الخلل الذي تعانيه اجهزة الدولة العراقية جميعها ليس طبيعة ذاتية فيها، بل هو بسبب وجود قيادات امية لا تملك اية معلومات في الحقول التي تتولى مسؤولية القيادة فيها، ومنهم رئيس الوزراء العراقي، الذي ادان بوضوح لا لبس فيه اداءه هو قبل ادانة الاخرين، بعد ان أدانه الواقع المأساوي المليء بصور التفجيرات والاغتيالات والاعتقالات المستمرة طوال ولايتين له. اما الاشكالية الاخرى التي اثارها الرجل في حديثه المتفاخر ببطولات ولده فقد جعلت الجميع يتساءل، هل يعطي النظام الديمقراطي الحق للمسؤول بجعل العمل في الحلقة الاقرب له وما بعد الاقرب، حكرا على ابنه او زوج ابنته واقربائه وابناء مدينته وقريته؟ وهل باتت الكفاءة والمزايا العقلية والبدنية والعلمية والخبراتية حصرا باقارب المالكي وبقية المسؤولــــين؟ لقد اعطى رئيس السلطة التنفيذية صك براءة للانظمة السياسية العراقية التي يسميها ‘ديكتاتورية’، والتي سبقت توليه السلطة بتصريحاته عن ‘مؤسسة’ عائلته، التي تمارس عمليات القاء القبض ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة تحت ظلال الديمقراطية التي يتبجح بها ويميز نفسه بها عن تلك الانظمة.
ان المعضلة الرئيسية التي يعانيها النظام السياسي العراقي الحالي تكمن في فلسفته السياسية القائمة على اساس وحدانية الرأي والامتلاك الفردي للحقيقة، والشك بكل من هو خارج اطار العائلة، وقد تعززت هذه الطروحات وبات العمل في ضوئها قانون العملية السياسية، بعد ان اكتشف الساسة الجدد ان السلطة مال وثروة نقلتهم من حال الى حال. انها اشكالية كبرى ومعقدة ستصطدم باستحقاقات وطنية ملحة ستسيل بسببها دماء كثيرة، ان استمر الوضع الحالي كما هو عليه.
باحث سياسي عراقي