11 سنة على اسقاط صدام واحتلال بغداد
رأي القدس
April 9, 2014
أمر ذو دلالة كبيرة أن حدثاً خطيراً بحجم احتلال بغداد يوم 9 نيسان/ابريل 2003 والذي أدى الى إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مرّ على العراقيين دون ما يوازيه سياسيا وفكريا وإعلامياً، باستثناء محاولة عشرات من الطلاب في جامعة تكريت (مسقط رأس صدام حسين) التعبير عن غضبهم في هذه الذكرى.
قبل 11 عاماً شاهدنا الجنود الأمريكيين يتجولون في عاصمة الرشيد بعد حرب استمرت ثلاثة اسابيع أنهت 24 عاماً من رئاسة صدام للجمهورية العراقية و35 عاماً من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي.
كانت لاحتلال بغداد مفاعيل هائلة على أصعدة استراتيجيات القوة العربية والاقليمية والدولية، وهذه المفاعيل ما تزال مستمرة حتى الآن، فهذا الاحتلال أعلن عن عصر عربيّ جديد أهم معالمه:
إنهاء موجة الاستقلالات العربية عبر القوة الأجنبية الكاسرة.
كسر معادلة التوازن الاقليمي العربي التي كان
العراق قطباً أساسياً فيها.
إلغاء دور العراق كنقطة توازن بين مجلس التعاون الخليجي العربي وحلف الناتو الغربي.
هدر الدور الاقتصادي للعراق باعتباره خزاناً استراتيجياً للطاقة.
أدى هذا التغيّر الكبير في استراتيجيات القوة والتوازن والطاقة إلى تغيّر تاريخيّ لا سابق له، فرغم امتلاكها أسباب السيطرة العسكرية في العراق بعد الاحتلال فإن إخلال الولايات المتحدة الأمريكية بتوازنات القوى الداخلية والإقليمية أدّى، سواء خططت لذلك ام لم تخطط، إلى تمدّد القوة الإيرانية الصاعدة عبر الأحزاب المتحالفة معها وأجهزة استخباراتها وشبكاتها المصالحية والأمنية، خالقة ظرفاً عسكرياً وسياسياً واجتماعياً جديداً اليد العليا فيه لطهران لا لواشنطن.
وقد تراكبت الرؤية الاستشراقية الأمريكية للعراق في اعتبارها إياه بلداً مؤلفاً من إثنيات وأديان ومذاهب لا وطناً عامّاً لأبنائه (أو كما قال جورج بوش: جئنا لنحرر العراقيين شيعة وسنة وأكراداً وتركماناً!)، ورؤيتها النفعية له كبلد مليء بالطاقة الاحتياطية التي يمكن استنفادها بأرخص الأثمان، ومجال لاستثمارات شركاتها الكبرى، ورؤيتها السياسية له كبلد خطر على
اسرائيل، مع رؤية إيران له، لأسباب تاريخية عميقة الجذور، كبلد عدوّ يجب تحطيمه وسلبه أسباب وجوده، فتحوّل الى مصدر لاشتغال شبكاتها العسكرية والأمنية والتجارية في المنطقة وخزّان لنهب مائه ونفطه وأمواله، وتعاون الطرفان على الوصول بالعراق الى ما وصله الآن.
على مدار السنوات الإحدى عشرة الماضية التي جاءت جيوش الاحتلال الأمريكي للتبشير وفرض ‘الديمقراطية’ و’الحرية’ على العراقيين، وتخليصهم من استبداد صدام وجبروته، ومكافحة أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها، ومحاربة تنظيم ‘
القاعدة’ الذي لم يكن له أثر في العراق قبل الاحتلال، قامت
امريكا وإيران (وبمساهمة اسرائيلية فاعلة) بتركيع العراق والتخلص من علمائه النوويين والكيميائيين، واغتيال طياريه، وضرب اقتصاده، وسرقة مياهه ونفطه، وتكسير نسيجه الوطني والاجتماعي.
واذا كانت استباحة العراق باحتلاله أمريكياً قد كسرت رمزياً المشروع القومي العربي، وأثبتت خللاً كبيراً فيه، كونه اعتمد على القوة العسكرية والأمنية بدل اعتماده أسساً مدنية وديمقراطية لمشروعه، فإن احتلاله إيرانياً أدى الى كسر النسيج الوطني للعراق وشقّ المنطقة العربية طائفياً، وكلاهما أمران خطيران أعطيا عمراً جديداً للمشروع الإسرائيلي رغم أنه صار معادياً لمنطق العصر، وشكّلا كبحاً فظيعاً للثورات العربية التي حاولت أن تعيد البوصلة السياسية العربية الى مكانها الحقيقي حيث تعني كلمات مثل الحرية والوحدة والاشتراكية معاني حقيقية لا مشروعاً قسرياً دكتاتورياً يفرض بالأمن والغلبة.