روسيا تعود إلى المنطقة من بوابة القاهرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يحاول أن يراوح بين العلاقات المتوازنة مع موسكو وواشنطن بما تقتضيه مصلحة بلاده بعيدا عن التحالفات. العرب
[نُشر في 09/02/2015، العدد: 9823، ص(6)]
نظرة مصرية متوازنة للعلاقات مع روسيا أساسها الاستفادة من خبراتها
القاهرة- الزيارة التي يبدؤها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الاثنين، إلى القاهرة تحمل الكثير من المعاني السياسية والأمنية والاقتصادية بالنسبة إلى مصر وروسيا. فالأجواء التي تعيشها المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب والأزمات الإقليمية المعقدة والحسابات المركبة، جعلت البلدين من أبرز المؤثرين في مصير عدد كبير من القضايا.التوترات التي تسود العلاقات القائمة بين الجانب المصري والجانب الروسي، كل على حدة، من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، يبدو أنها أضفت على العلاقات المصرية الروسية في الآونة الأخيرة نوعا من التقارب، وهو ما يُكسب الزيارة التي يؤديها بوتين، اليوم الاثنين، إلى القاهرة أهمية مضاعفة ويحملها أوجها إستراتيجية مهمّة.
لكنّ رغم أهمية هذه الزيارة، فإنّها لن تخرج عن حيّزها السياسي المعقول، خاصة أنّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كان قد أشار خلال زيارته التي أدّاها إلى روسيا، منذ حوالي شهرين، إلى أنّ العلاقات مع روسيا تكتسي أهمية بالنسبة إلى مصر، لكنّ ذلك لا يعني أنّ القاهرة لن تستبدل واشنطن بموسكو.
وقد جاءت تصريحات السيسي تلك كردّ على تكهنات عدد من المراقبين التي قالت إنّ توجه مصر شرقا، نحو روسيا والصين واليابان، سوف يكون على حساب الغرب، غير أنّ لقاءات السيسي اللاحقة مع قادة كلّ من إيطاليا وفرنسا واليونان، قلّلت من فكرة استبدال حلفاء بآخرين، لأنّ مصر حاليا، تريد أن تقيم علاقات متوازنة مع الجميع، ولا ترغب في إقامة تحالفات قد تكبدها خسائر إستراتيجية فادحة.
تطوير العلاقات العسكرية المشتركة - اقتباس :
- القاهرة تدرك أن موسكو اليوم تختلف عن الأمس، وأن العلاقات تأخذ شكل مصالح مشتركة يصعب توظيفها ضد أي خصوم
أوضحت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والخبيرة في الشؤون الروسية، في تصريح لـ”العرب”أنّ الأهمية التي تكتسيها زيارة بوتين إلى القاهرة، تعود إلى كونها أول زيارة لرئيس دولة في حجم روسيا إلى مصر، عقب ثورة 30 يونيو، وهي في النهاية تعزّز الشرعية الدولية للنظام المصري الراهن، والتي اكتسبها بفضل التزامه بخطّة خارطة الطريق التي رسمها، وامتلاكه لشبكة واسعة من العلاقات، على الساحتين الإقليمية والدولية.
وأوضحت أنّ الزيارة، تتنزل في إطار البحث في أوجه التّعاون الروسي – المصري، على عدة محاور، سياسية وعسكرية وأمنية واستخباراتية، إلى جانب المحور الاقتصادي، لاسيما أنها تأتي في سياق الاستعدادات والتجهيزات والتحضيرات المصرية للمؤتمر الاقتصادي في مارس المقبل، مشيرة إلى أن أول المحاور التي ستتمّ مناقشتها، تتعلق بالتعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة أنّ موسكو، لديها الكثير من الخبرات التي يمكن أن تقدّمها إلى القاهرة في هذا المجال.
كما أشارت إلى أنّ السيسي وبوتين سيبحثان بجدية إمكانية استعانة القاهرة بمعدات عسكرية وأمنية روسية، في مجال مكافحة الإرهاب، مشددة على أن موسكو تملك تكنولوجيات متطورة يمكن أن تستفيد منها مصر في معركتها الضارية ضد الإرهاب، كما أن نقل الخبرة الروسية في التعامل مع الحركات المتشددة في الشيشان، يمكّن مصر من تفادي الوقوع في بعض الأخطاء التي أدت إلى تحويل الشيشان، في وقت من الأوقات، إلى بؤرة أساسية لاستقطاب عناصر متطرفة من جلّ أنحاء العالم.
وأكّد عدد من الخبراء في الشؤون الدولية، لـ”العرب” أنّ جدول أعمال لقاء السيسي وبوتين، سيتضمّن البحث في تطوير العلاقات العسكرية المشتركة والتي شهدت قفزة نوعية عقب ثورة 30 يونيو، بعد تجميد الولايات المتحدة لعمليات توريد معدات عسكرية ذات طابع نوعي إلى مصر، كانت الأخيرة بحاجة إليها، خاصة أنّ الحرب التي تخوضها الأجهزة الأمنية المصرية ضد الإرهاب في سيناء، تتطلّب حصول القاهرة على المزيد من الآليات والطائرات المتطورة.
روسيا تعيد تموضعها في الشرق الأوسط
وقد مرت العلاقات الروسية – المصرية بالعديد من المنحنيات والمنعطفات، بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، حيث قلب الرئيس الراحل أنور السادات، الدفة وخاصم موسكو وتوجه نحو توثيق العلاقات مع واشنطن، لكن الرئيس الأسبق حسني مبارك، رغم متانة علاقاته مع الولايات المتحدة، حرص على أن تكون علاقته بموسكو دافئة، والآن، يحاول عبدالفتاح السيسي أن يراوح بين العلاقات مع موسكو وواشنطن بما تقتضيه المصلحة المصرية.
وقالت الخبيرة في الشؤون الروسية، إن موسكو دعمت القاهرة في أوقات كثيرة، فهي التي أسهمت في بناء السدّ العالي، وساهمت بكثافة في تسليح الجيش المصري عقب نكسة يونيو 1967، وقد لعب السلاح الروسي دورا مهما في انتصار مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.
وقال عزت سعد، السفير المصري السابق في موسكو، في تصريح لـ”العرب” إن تطوير العلاقات يعود بالنفع على البلدين، مؤكدا أنّ هناك رغبة حقيقية لدى الطرفين في دعم التعاون المشترك، بما يعود بالفائدة عليهما، الأمر الذي تجلّى مع تكرّر اللقاءات بين مسؤولي البلدين، سواء في موسكو أو في القاهرة.
وأضاف أنّ الأبعاد الأمنية والسياسية حاضرة بقوة على جدول أعمال زيارة بوتين، لكنّ المجال الاقتصادي، قد يتفوّق عليهما، فهناك نقطة مهمة ستكون محل نقاش تتعلق بسبل تفعيل الاتفاق حول إقامة منطقة تجارة حرّة بين مصر ومجموعة “الأوروآسيوي” الاقتصادية والتي تعتبر روسيا اللاعب الأساسي فيها، مشيرا إلى أنّ موسكو تعطي أولوية كبيرة للاتفاق على إقامة هذه المنطقة الحرة.
كما لفت إلى أنّ بحث التعاون العسكري بين البلدين لن يحتاج إلى جهود كبيرة، لاسيما أنه يسير بشكل جيد، ويعدّ الآن في أفضل حالاته، موضحا أن علاقات مصر العسكرية بالجانب الروسي، شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات العشر الأخيرة الأمر الذي أثّر بالإيجاب على التعاون العسكري بين البلدين.
تنويع العلاقات في صالح القاهرة - اقتباس :
- العلاقات الروسية – المصرية مرت بالعديد من المنحنيات والمنعطفات، بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، حيث قلب الرئيس الراحل أنور السادات، الدفة وخاصم موسكو وتوجه نحو توثيق العلاقات مع واشنطن
أقر عزّت سعد بوجود أزمة اقتصادية في روسيا تجلّت ملامحها عبر العقوبات الغربية المفروضة عليها، إلى جانب تراجع أسعار النفط، وتدني العملة الروسية (الروبل) وتأثيرها السلبي على خطة روسيا بشأن الاستثمارات الخارجية، غير أنه أفاد بأنّ ما يحد من تأثيرات تلك الأزمة إلى حدّ الآن، هو وجود قطاع خاص يتطلع إلى التوسع ولديه قدرات مالية واقتصادية كبيرة.
وأوضح أنّ الاحتياطي الروسي الكبير من الذهب والعملات الأجنبية، ربما سيمكن الاقتصاد الروسي من تجاوز أزمته، منوّها إلى أنّ أزمة روسيا الراهنة ليست الأصعب في تاريخها وأنها مرت بأزمات سابقة قد تكون أصعب من ذلك بكثير، لافتا إلى أن المردود الاقتصادي يتوقف على مدى قدرة الفنيين على بلورة اتفاقيات ثنائية، وقدرة كل جانب على متابـعة الأوضـاع وتنـفيذ ما يتـم التوصل إليه.
أكّد جمال بيومي، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، أنّ روسيا تخلت عن مصر اقتصاديا منذ فترة طويلة، ما تسبب في تراجع العلاقات التجارية بين الدولتين من 65 بالمئة إلى 19 بالمئة، مشيرا إلى أن روسيا التي تتمتع بالعضوية في مجموعة الـ”8” ومجموعة “العشرين”، والتي انضمت كذلك إلى اتفاقية الـ”غات”، مؤهلة لأن تكون شريكا اقتصاديا كبيرا لمصر، إذا رغبت في ذلك.
وأضاف بيومي، في تصريح لـ”العرب”، أنّ هذه الخطوة مهمة بالنسبة إلى القاهرة التي تبحث عن تنويع علاقاتها، لافتا إلى أنّ مصر مطالبة بأن تدرك أن روسيا القادمة الآن، ليست روسيا الستينات أو السبعينات من القرن الماضي التي كانت تناطح الولايات المتحدة، حيث أنّ موسكو الجديدة تحاول أن تكون عضوا إيجابيا في المجتمع الدولي، من خلال إقامة علاقات طيبة مع واشنطن، رغم الأزمات القائمة، ولذلك فهي لن تتخذ مواقف فيها نوع من المواجهة أو المناطحة مع الولايات المتحدة.
ومن جهتهم، يرى مراقبون أنّ روسيا ربما تبحث اليوم عن متنفس لأزمتها الاقتصادية باتجاهها نحو مصر، مشيرين إلى أنّ مصر مطالبة بالتفاعل الإيجابي مع هذه الخطوة الروسية من زاوية حفظ المصالح المصرية قبل كل شيء.
تقارب الرؤى حول الأزمة السورية عزت سعد: هناك رغبة حقيقية لدى الطرفين في دعم التعاون المشترك
ليس من المستبعد أن تكون لزيارة الرئيس الروسي إلى القاهرة، انعكاسات إقليمية ودولية، في إطار موازين القوى والحسابات الدولية، وبحث العديد من القوى عن موقع لها، من خلال الاقتراب من القضايا العربية، التي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها ساحة نفوذ بين الدول الكبرى، مثل الأزمتين السورية والليبية، والقضية الفلسطينية.
وأكّد محمد فراج أبو النور، الخبير في العلاقات المصرية الروسية في تصريح لـ”العرب” أنّ الأوضاع في سوريا ستكون من بين القضايا الرئيسية المطروحة على طاولة الحوار بين السيسي وبوتين، في ظل اتفاق الجانبين على ضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” و”جند الشام”.
حيث أوضح أبو النور أنّ هناك ملامح تنسيق بين القاهرة وموسكو، بخصوص التطورات التي تشهدها الساحة السورية، مستشهدا بالحوار الذي عقد بين أطراف المعارضة السورية في القاهرة، والذي سبق حوارا آخر جمع بين المعارضة والنظام السوري، احتضنته موسكو.
وبغضّ النظر عن النتائج التي أفضت إليها تلك الاجتماعات، فقد أكّدت أنّ ثمة رؤية متقاربة بين القاهرة وموسكو لإنهاء الأزمة بعيدا عن سيناريو التقسيم، الذي تقود إليه تصرّفات بعض القوى الإقليمية والدولية.
كما أشار إلى أنّ مصر يُمكن أن تلعب دورا في التّقريب بين الدول الخليجية وروسيا، على صعيد حل الأزمة السورية، موضحا أنّ المشكلة الراهنة تكمن في أنّ الضربات الجوية التي يوجهها التحالف الدولي ضد التنظيمات الإرهابية، هي بمثابة “تقليم لأظافر الجهاديين”، وأن جميع الأطراف الفاعلة على قناعة، بأنه لابد من تدخل بريّ لحسم المعركة ضد هذه الجماعات الإرهابية التي يزداد تمددها وخطرها يوما بعد يوم.