حكومة التغيير العراقي… حقيقة أم تسويق د. مثنى عبدالله
February 16, 2015
■ دأبت بعض الجهات، أفرادا وجماعات، على التبشير بأن الحكومة الحالية في العراق، هي حلم التغيير المنشود، الذي بات واقعا منذ استلام رئيس الوزراء الحالي مهام منصبه.
لا ندري ما هي المقاييس التي في ضوئها تُطلق هذه الاحكام، لكنهم يقولون بأن سلفه كان قد تغلغل في كل تفاصيل الحكم والمؤسسات، واستشرت سلطاته في كل حدب وصوب، حتى كان من المستحيل إمكانية تغييره أو الحد من سلطانه، وبالتالي فإن أزاحته وقدوم غيره هو بحد ذاته تغيير لا يستهان به، لكنهم يتغافلون عن حقيقية أن التحرك السياسي الذي جرى في سبيل التغيير، لم يكن الهدف منه تغيير الواقع أو الحياة السياسية، بل كان تحركا من أجل إعادة تركيز السلطة السيادية بين هذا الطرف أو ذاك، لأن رئيس الوزراء السابق كان قد أقصى الجميع حتى شركاءه في البيت السياسي الشيعي، بل أنهم يذهبون الى أبعد من ذلك للتدليل على التغيير، فيشيرون إلى صفات شخصية كدليل مقارنة بين الخلف والسلف، كالبشاشة واللغة الاجنبية ومسقط الرأس والعيش حينا من الدهر في دولة عظمى.
إننا لا نريد أن نضع العصي في عجلة أحد، لكن من حقنا أن ننقل تساؤلات عامة الناس، ما الذي ينفع الشعب العراقي في ابتسامة وبشاشة وجه رئيس الوزراء الجديد، مقارنة بتجهم وجه سلفه؟ وما الذي يفيد في إجادة الخلف لغة أجنبية وجهل من سبقه بها؟ وما الذي يغير من حال العراقيين عندما يكون الرجل الحالي مسقط رأسه في المدينة، بينما سلفه قروي المولد والنشأة؟ كل هذه مقاييس عاطفية لا تغير من واقع الأمر شيئا، وهي مجرد رد فعل سلبي على ظلامية عهد رئيس الوزراء السابق، فالعراقيون لا يبحثون اليوم عن (آيدل) عراقي ذي مواصفات مثالية، بل بحاجة إلى سياسي قادر على تحمل المسؤولية بشجاعة، لا تأخذه في الحق لومة لائم، يُدخل العراق إلى غرفة العناية المركزة، لأن الأمراض استفحلت في جسده ولم تعد هنالك أي إمكانية للإصلاح الشكلي، بل التغيير الجذري هو المطلوب. لكن البعض يعترض على قولنا هذا بحجة أن رئيس الوزراء لم تمض عليه سوى فترة وجيزة في صدارة المسؤولية، وأن التركة ثقيلة لا يمكنه حل كل إشكالياتها في أشهر قليلة، وهذه في الحقيقة نظرة مجتزأة للواقع السياسي العراقي، لأن أصحاب هذا المنطق يحاولون تغييب عقولنا ورسم صورة أخرى لنا كأنها تقول، إن الحكومة الجديدة جاءت من الفضاء الخارجي، وألا علاقة لها بالوسط السياسي القائم منذ عام 2003، وهي ليست مُجبرة على السير في ركاب التوازنات الطائفية والحزبية والمناطقية التي رسمها المحتل.
هذا هراء وقفز على الحقائق، لان التغيير مستحيل في ظل سلطة سياسية موزعة في أكثر من مكان، وهي ليست موجودة في الدولة التي باتت مجرد مسرح للخلافات والفساد، كما أن هناك انفصاما بين حقيقة ممارسة السلطة الموجودة في كل مكان خارج الدولة وبين الشكل الخارجي للدولة، وهذا أدى إلى أضعاف الجميع. فجهاز الدولة قائم لكن السلطة موزعة بين الزعماء الحقيقيين في البلد، وهم زعماء الكتل الذين يملكون السلطة الحقيقية، وأن كل الوزراء والمسؤولين من الصف الثاني والثالث وحتى العاشر، هم مجرد مندوبين عنهم في مواقع المسؤولية، لذلك هناك تحد حقيقي في العراق، لن يجعل أي رئيس وزراء خارج من الطبقة السياسية الحالية، قادرا على أداء مهماته في إعادة السلطة إلى عموم الدولة، بسبب الانقسام ذي اللون الطائفي.
إننا أمام أزمة مضاعفة هي أزمة حكم، وأزمة طوائف، وأزمة في الممارسة السياسية في العراق، لذلك نرى أن الأزمات يُعاد إنتاجها اليوم، على الرغم من أن البعض حصرها بالحكومة السابقة، على اعتبار أن الوزير الأول كان فيها هو الأزمة الحقيقية على حد وصفهم، لكن النظام السياسي الصحي والصحيح قادر على إنتاج الحلول المستجدة إن كان الخلل في الأشخاص، بينما في العراق ليس في الأشخاص فقط بل في بنية الدولة والسلطة أيضا، وهذا هو الانسداد الحقيقي. السؤال الآن هو هل أن العراقيين سيبقون يدفعون الثمن؟ نعم هـــــو كذلك، لأن عدم الاهتمام بالمؤسسات كان القوة الطاردة الفعلـــية لعـــموم الشــــعب للهروب من الدولة، لأنها لن تدخل عناصـــر المنافســـة الشريفة بين الناس، ولم تضع الجميع على خط شروع واحد، بل هنالك أطراف محددة فقط هي التي امتلكتها. كما أن ضعف الجيش والقوات الأمنية والشرطية، أدى الى إعادة نشوء ميليشيات وميليشيات مضادة، وبات الاعتماد عليها رسميا من قبل السلطات، على الرغم من أن هذا النوع من الجهات المسلحة، ليس لديها البنية القادرة على التحول للعمل السياسي السلمي في حالة استباب الأمن والنظام، مما يعني أنها ستبقى لمديات غير منظورة ممسكة بالسلاح اللاشرعي وتعتبره هو الشرعية الوحيدة.
وإذا ما أسقطنا هذا الواقع على الوضع الحالي في ظل حكومة التغيير المزعومة، نجد أن الحال أسوة بما سبق، فرئيس الوزراء الحالي منذ خطاب التكليف وحتى الآن، يصر على تبني الحشد الشعبي كضرورة لابد منها، حتى أن التقرير الخامس والعشرين لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» قال إن رئيس الوزراء العراقي الحالي لازالت (حكومتة تعتمد في المقام الأول على الميليشيات الشيعية التي تقوم بأعمال قتل وإبادة للمدنيين السنة، كما أن القوات الحكومية بدورها تعتدي على المدنيين وعلى المناطق المأهولة.
إن العبادي أخفق حتى الان في تنفيذ إصلاحات سياسية ، ويُسأل عن سبب وجود قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني على الأراضي العراقية، الذي هو محــــل خلاف واستــــفزاز لأوساط عراقية كثيرة، فيجيب أنه بطلب من الحكــــومة العراقية، ويأمر بإيقاف القصف على بعـــض المناطق ولا يُجاب طلبه، ويستمر مسلسل القتل الممنهج بشكل جمعي كما حصـــل في قرية بروانة في محافظة ديالى، أو على أفـــراد كما حصل مؤخرا مع شيخ عشيرة الجنابيــــين وولده، وقبلهم أربعة من أئمة جوامع البصرة، ولا يمكـــن أن ننسى إعادة صياغة قوانين خلافـــية مرة أخـــرى كقـــانون الاجتثاث، كما عـــادت أيضا منصات المايكروفونات يرتقيها السياسيون مهددين بالانسحاب. فهل بعد كل ذلك يوجد من يقول إنها حكومة التغيير؟
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله