السيستاني على مسؤوليته حشد الشيعة، هل يفلح بمنع جرائمهم؟
المرجع الشيعي الاعلى يدعو مقاتلي 'الحشد الشعبي' المشاركين في عملية استعادة تكريت ومحيطها، إلى حماية السكان السنة فيها.
ميدل ايست أونلاين
الانتقام 'غريزة' ولا علاقة له بتطورات المرحلة
كربلاء (العراق) - دعا المرجع الشيعي الأعلى اية الله علي السيستاني الجمعة، المقاتلين العراقيين، لا سيما الشيعة، المشاركين في عملية استعادة مدينة تكريت ومحيطها، الى حماية سكان هذه المناطق ذات الغالبية السنية.
وتأتي دعوة السيستاني وسط شكوك حول قدرته على منع آلاف مؤلفة من المقاتلين المعبئين طائفيا للثأر ممن الحقوا "بهم" هزيمة نكراء في الصيف الماضي باعتبار ان اهل السنة شمال متهمين مسبقا بدعمهم لإرهاب تنظيم الدولة الاسلامية. كما تأتي الدعوة مع شيوع التقارير والأخبار عن ارتكاب المجاميع الشبه العسكرية الشيعية لجرائم بحق الكثيرين من أهل السنة في المناطق "المحررة" من الإرهابيين في محافظة صلاح الدين، والتي لا شك أن السيستاني قد يكون تكلم بعد ان سمع بها فعلا.
وبدأ نحو 30 الف عنصر من الجيش والشرطة والفصائل الشيعية وابناء بعض العشائر السنية، عملية عسكرية واسعة الاثنين لاستعادة تكريت، كبرى مدن محافظة صلاح الدين، ومحيطها من تنظيم الدولة الاسلامية.
واثارت العملية، وهي الأكبر ضد التنظيم منذ سيطرته على مناطق واسعة في حزيران/يونيو، مخاوف من عمليات انتقامية بحق السكان السنة، لاتهام البعض منهم بالتعاون او المشاركة في عمليات قتل جماعية طالت شيعة.
نزوح بالآلاف وأدت هذه المخاوف من العملية العسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة تكريت العراقية من تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى نزوح نحو 28 ألف شخص من منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.
ويأتي هذا النزوح الجماعي وسط أنباء صادرة عن تقارير لمنظمات حقوقية تشير الى حدوث عمليات انتقامية تمارسها قوات الحشد الشعبي على نطاق واسع في المناطق والمدن التي تم "تحريرها" من تنظيم الدولة الاسلامية في محافظة صلاح الدين.
وتوجه الفارون باتجاه مدينة سامراء، لكن كثيرا من العائلات ما تزال عالقة في نقاط للتفتيش، بحسب مصادر الأمم المتحدة.
ويقول مراقبون إن نقطا التفتيش التي يشرف عليها مقاتلون في الحشد الشعبي يمكن ان تكون مصائد لأبناء الطائفة السنية المطلوب تصفيتهم لدى هذه القوة الشعبية الشيعية والموجهة بقوة من كبار جنرالات الحرس الثوري الايراني ولعل ابرزهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
ويشرف سليماني، مع اثنين من القادة الأمنيين العراقيين الشيعة، على القطاع الشرقي من حملة تكريت.
وسليماني - وهو جنرال بالحرس الثوري الإيراني - قائد فيلق القدس الإيراني الذي تعتبره واشنطن تنظيما إرهابيا محظورا مسؤولا عن تدريب وتسليح المتشددين الشيعة في أنحاء الشرق الأوسط.
وجرى الاعداد للهجوم بدقة من جرافات مدرعة تحفر سواتر لحماية القوات المتقدمة كل ليلة إلى رجال الدين ووحدات "التوجيه العقائدي" التي تعمل على رفع الروح المعنوية.
ويقود أعضاء منظمة بدر وقوات الجيش النظامي دبابات متشابهة، ولا يفرق بينها سوى شعار للجيش يوضح القوات النظامية من الفصائل الشيعية.
وأشرفت قوات بدر على إقامة "محافل" لجرائم طائفية استخدمت فيها جميع ادوات القتل بما في ذلك الأشد قسوة ووحشية مثل آلات الدريل (المثقب الكهربائي)، وطالت السنة على نطاق واسع في العراق، في أعقاب تدمير مرقد الإمامين العسكري في سامراء في العام 2006.
ويقول مراقبون إن المخاوف من الانتقام تزداد مع احتمال تلقي المجاميع الشيعية جيشا نظاميا وقوات شعبية لضربات موجعة من التنظيم الإرهابي، فيصير انتقامهم من اهالي المنطقة عشوائيا عندما قد يتكبدون خسائر مرتفعة في الأرواح في المواجهة مع مقاتلي الدولة الاسلامية.
وقال الشيخ عبد الامير الكربلائي، ممثل السيستاني في خطبة الجمعة في الصحن الحسيني في مدينة كربلاء متوجها الى المقاتلين المشاركين في عمليات صلاح الدين "ينبغي عليكم جميعا ضبط النفس وعدم الخضوع للانفعال النفسي لفقد حبيب لكم او عزيز عليكم، خصوصا ما يتعلق بالعائلات التي يتمترس بها العدو ممن لم يقاتلوكم لاسيما من المستضعفين (...) بل كونوا لهم حماة".
وكان عدد من السياسيين وقادة الفصائل قالوا ان استعادة تكريت تمثل عملية "ثأر" لمجزرة قاعدة سبايكر العسكرية شمال المدينة.
وقتل المئات على الأقل من المجندين الشيعة بعد خطفهم من القاعدة واعدامهم بالرصاص، في حزيران/يونيو. وتتهم بعض العشائر السنية في تكريت وجوارها، بالمشاركة في هذه العملية.
دعوة غير مسموعة ويتمتع السيستاني بتأثير واسع على ملايين الشيعة الذين يعتبرونه مرجعهم الابرز. ودفعت الفتوى التي اطلقها في حزيران/يونيو، عشرات الآلاف منهم لحمل السلاح لقتال جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية.
لكن النزعة الانتقامية المتأصلة في نفوس أعداد هائلة من الغوغائيين والأميين في صفوف قوات "الحشد الشعبي" وفي نفوس العديد من قادتهم، والتي تغذت على مدى عقود سابقة من الحقد على نظام حكم صدام حسين وعلى طائفته السنية دون أي تمييز، من الصعب أن تجعل دعوة السيستاني غير مسموعة بالمرة حين يتعلق الأمر بـ"ثارات الحسين"، كما يقول عدد من العراقيين الذين خبروا جرائم المليشيات الشيعية طيلة السنوات التي اعقبت الاحتلال الأميركي للعراق.
واكد رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال اعلانه الاحد اطلاق عملية "تحرير" صلاح الدين، اولوية "حماية المدنيين".
الى ذلك، دعا الكربلائي الحكومة لدعم العشائر السنية التي تقاتل التنظيم في محافظة الانبار (غرب)، والتي يسيطر الجهاديون على معظمها.
وقال "تشكو العديد من العشائر في الانبار من الذين عبروا عن موقف وطني مسؤول بتصديهم لعصابات داعش، من قلة السلاح والعتاد اللازم وقلة الغذاء لعائلاتهم المحاصرة".
واضاف "نحن نعتبر ان الامكانات المتاحة للحكومة لا تفي بتوفير احتياجات بصورة كاملة لكن لا بد من العمل على تقديم ما يمكن تقديمه لهم من السلاح والعتاد لاستمرار صمودهم وثباتهم امام هجمات عصابات داعش".
وتسعى حكومة العبادي الى استمالة العشائر السنية لقتال التنظيم، الا ان الاخيرة تشكو من قلة السلاح والمال، ما يصعب مهمتها في الدفاع عن مناطقها في هذه المحافظة الحدودية مع سوريا والاردن والسعودية.
ميدانيا، دخلت قوات الحكومة العراقية وأفراد ميليشيات تدعمها إيران مدينة على المشارف الجنوبية لمدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين الجمعة في إطار مواصلة أكبر هجوم حتى الآن ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذين سيطروا على شمال العراق العام 2014.
وقال قادة عسكريون إن قوات الجيش وباقي القوات ومعظمها ميليشيات شيعية استعادت السيطرة على مدينة الدور على مشارف تكريت.
ولم يتضح على الفور إن القوات سيطرت بالكامل على المدينة.
وذكر بعض المسؤولين أن الجنود لا يزالون في المناطق الجنوبية والشرقية من المدينة التي شهدت تفجيرات قنابل من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية المتقهقرين.
لكن هادي العامري قائد أكبر جماعة شيعية مسلحة تشارك في العملية، قال إنه تم تحرير الدور بالكامل وإن القوات ستتقدم صوب بلدة العلم وهي بلدة مهمة أخرى شمالي تكريت السبت.
وهذا هو الخامس في عملية الجيش - الذي انضم له آلاف من أفراد ميليشيات شيعية تدعمها إيران وتقدم لها المشورة - لاستعادة السيطرة على تكريت وهي أكبر هدف حتى الآن في حملة لدحر التقدم الذي حققه مقاتلو التنظيم العام 2014.
وينطوي هجوم الجيش الذي يقوده الشيعة والميليشيات المتحالفة معه على تكريت في قلب الأراضي السنية في العراق على أهمية رمزية للجانبين.
وقال مسؤولون الجمعة إنهم سيطروا على مزرعة إلى الشرق من تكريت كان يملكها عزة إبراهيم الدوري النائب السابق لصدام وهو الآن حليف وثيق للمقاتلين الجهاديين.
والدوري هو المسؤول الوحيد من دائرة صدام المقربة الذي لايزال طليقا. وكانت تسجيلات زعم أنها له وهو يبايع الدولة الإسلامية العام 2014 من العوامل التي ساعدت المتشددين على تصوير أنفسهم بأنهم محررو الأراضي السنية.
وتكريت هي أول مدينة كبرى تسعى القوات العراقية لاستعادتها من الدولة الإسلامية في شمال العراق وتأمل الحكومة أن تؤدي الحملة لتقليص الزخم الذي شهد اجتياح المقاتلين لشمال العراق العام 2014.
ويتحقق التقدم بشكل تدريجي.
وأخلى رتل من الجنود وأفراد الميليشيات في الجناح الشرقي الأراضي من القنابل والقناصة بينما تقدمت قوات أخرى على طول نهر دجلة من الشمال والجنوب.
وقال مسؤولون إن بعض العناصر من الجيش والميليشيا توقفت الجمعة لإعادة الانتشار والتعزيز.
وقال مصدر في قيادة عمليات سامراء إلى الجنوب من تكريت "هناك مناطق حررناها لذا يتعين علينا نقل جنود لهذه المناطق لمنع مقاتلي الدولة الإسلامية من العودة.. الأمر مجرد إعادة تنظيم وليس توقفا".