قانون الكونغرس الأمريكي بخصوص العراق … محاولة للفهم / د. مثنى عبدالله
05 /05 /2015 م 02:09 مساء لم يكن النائب الجمهوري الأمريكي ماك ثورنبيري، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي يرمي حجرا تجاه جدار قائم، حينما طرح مشروع تدويل الطوائف في العراق. فالحجر قد يعود عليه ويصيبه بمقتل لو كان واثقا بأن جدار الوحدة الوطنية هو القائم في هذا الوطن، بل من الغريب أن تثار كل هذه الضجة السياسية، والاجتماعات الحكومية والبرلمانية، والتصريحات المرجعية الدينية والعشائرية للاعتراض والتنديد بالقانون، بينما ما جاء فيه ليس مفاجئا أطلاقا.
فالتعامل مع الطوائف والإثنيات كدول قائم منذ وضعت الولايات المتحدة خطوط العرض لتحديد كيان كردي وشيعي بعد أحداث عام 1991، وكان أساس ما يسمى قانون تحرير العراق، وفي ضوئه جاء الغزو والاحتلال، بل تم إقراره في الدستور العراقي، الذي أوصى بإنشاء أقاليم وفيدراليات، ومحافظات غير مرتبطة بالمركز، ثم انظروا إلى توزيع المناصب والسلطات السيادية وغير السيادية، كلها قائمة على أعمدة ثلاثة رئيسية، شيعة وسنة وأكراد.
إذن لا مفاجأة في القانون المطروح، الذي لم يكن من بنات أفكار النائب المذكور فقط، بل هو حصيلة مشاورات ومداولات جرى بعضها فوق الطاولة والبعض الآخر تحتها، بين الجانب الأمريكي وساسة عراقيين، واستمزجت فيها آراء بعض دول الجوار العربي، أي أنه تلاق لمصالح أمريكية وعراقية وعربية.
فالمصالح الأمريكية تقول إن مبلغ (715) مليون دولار في السنة المالية 2016، التي تم تخويل وزير الدفاع الأمريكي بتقديمها مساعدات للجيش وقوات الأمن المرتبطة بحكومة جمهورية العراق، بما فيها قوات الأمن الكردية والعشائرـ أو قوات أمن محلية أخرى مرتبطة بمهمة الأمن الوطني، لا يمكن أن تذهب سدى مرة أخرى، لذلك تم ربطها بأن يقدم وزير الدفاع الأمريكي إلى لجنة الدفاع في الكونغرس، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ولجنة الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، تقييما عن مدى استيفاء الحكومة العراقية للشروط اللازم توفرها فيها، كي يمكن اعتبارها حكومة تحوز ثقة جميع العراقيين.
ولأن الحكومة العراقية قاصرة في هذا المجال، حسب الرؤية الأمريكية، فقد أوصى القانون وزيري الدفاع والخارجية في الحكومة الأمريكية بتقديم مدى إنجازها واستيفائها للشروط، وفي حالة إخفاقها، على وزير الدفاع حجب تلك المساعدات المالية، وتقديم ما لا يقل عن 60 بالمائة منها إلى البيشمركة الكردية والقبائل السنية والحرس الوطني السني، المقترح إنشاؤه مباشرة، من دون الرجوع إلى السلطات العراقية.
السؤال المطروح الآن هو، ما هي الرؤية السياسية والعسكرية، التي دفعت الكونغرس للنظر إلى العراق على أنه مجموعة طوائف وكيانات سياسية؟.
من الناحية العسكرية يعتقد الامريكان أن الجيش العراقي غير قادر اليوم ومستقبلا على الوصول إلى مرحلة الحرفية أو المهنية العسكرية، لأن السلطة السياسية القائمة لا تريد ذلك لأسباب طائفية، حيث إن تشكيل جيش وطني يتطلب القفز فوق الهويات الطائفية، وهذا الاتجاه يتعارض تماما مع النهج السياسي القائم، كما أن المراقبة الأمريكية للعمليات العسكرية في ديالى وصلاح الدين، وبعض المناطق في شمال بغداد وجنوبها، أعطت انطباعا للإدارة الأمريكية بأن السلطة العراقية قد باشرت بإنشاء ميليشيات مسلحة على غرار الحرس الثوري الايراني، وهي ليست جادة في تطوير القوات المسلحة النظامية، إضافة إلى أنهم يرون أن المساعدات المقدمة سابقا قد وهبتها الحكومة العراقية إلى أعدائهم «تنظيم الدولة»، حينما هرب الجيش من الموصل وصلاح الدين، بينما أثبت الأكراد حسن استخدامهم للتسليح الأمريكي والغربي في قتال «تنظيم الدولة» على تخوم أربيل، وفي بعض أقضية الموصل وكركوك وديالى… وأن الصحوات السنية كانت خير مُعين لقواتهم في التصدي لـ «القاعدة» والمقاومة.
إذن فالحصان الذي يجب المراهنة عليه واضح في الساحة العراقية. سياسيا ، يعتقد الأمريكان أن التحول السياسي في الساحة العراقية سيكون حاسما في الأيام المقبلة، لأن الحشد الشعبي لن يبقى قوة عسكرية وحسب، بل سيأتي إلى الواجهة السياسية حاملا ما يقول إنها انتصاراته على «تنظيم الدولة»، التي هربت السلطات العراقية من أمامها، وربما تكون له الأغلبية على كل القوى السياسية الشيعية الأخرى،.
وبما أن ولاءه إلى إيران سياسيا ودينيا، فإن صانع القرار في واشنطن يرى أن مشروع تشييع الدولة العراقية مقبل، ولابد له من ترسيخ وجوده في الشمال العراقي وتعزيز وضع الحليف الاستراتيجي الكردي وتقويته، إضافة إلى تثوير الحلف مع الساسة السنة، خاصة في الأنبار، من الذين فتحوا مضايفهم له سابقا، ونحروا له الذبائح وهزجوا لقادته السياسيين والعسكريين، وقاتلوا أهلهم وأبناء عمومتهم إكراما لعينيه.
لكن هل قرار الكونغرس الاخير يصب في مصلحة أحد في العراق؟ يقينا لا أحد، لأن السياسة الأمريكية قائمة على أساس الاستقرار المُسيطّر عليه، أو عدم الاستقرار المُسيطّر عليه ، والعراق يقع في الشق الثاني من هذه السياسة، أي أنهم يعملون على خلق عدم استقرار فيه، لكن مسيطر عليه، لضرب النفوذ الايراني المتقدم في الساحة العراقية سريعا هذه الأيام، لذا فإن التقاتل بين العراقيين مطلوب كي يتحقق عدم الاستقرار المسيطر عليه، كما أنها فرصة جيدة لخلق ساحة حرب بين الجهاديين تبعد تأثيرهم عن الساحات الأمريكية والغربية، وأن الوضع العراقي جاهز لهذه المهمة، فالحكومة العراقية تسمح وتشجع على التسليح والتدريب الايراني للبعض، مما يضع الآخرين في موقع المستعد للارتماء في أحضان الآخر.
كما أن الرهان على رئيس الوزراء الجديد يبدو أنه سقط في اللقاء الأخير مع أوباما، حيث تيقنت الإدارة الأمريكية من أن الكثير مما يحصل على الأرض هو خارج نطاق سيطرته، وهو يحاول اللحاق بها، كي يبدو أنه هو المسيطر وبالتالي الحصول على الدعم الخارجي.
ما يهم الإدارة الأمريكية ألا يتحول العراق إلى النفوذ الايراني بشكل سافر، ولأنه كذلك فلا بد من إيجاد قاعدة مواجهة وبناء معادلة صدام طائفي كبير.
إن الدول الخارجية وليست امريكا وحدها، تستغل الضغط الداخلي للشعوب الناتج من انعدام العدالة، للولوج إلى الطوائف والقوميات والمذاهب والأديان كي تشتري الولاءات، وبالتالي تحقيق مصالحها، وقد أفصحت قوى كثيرة في الكونغرس وخارج الكونغرس عن الرغبة في تقسيم العراق، أيدتها في ذلك قوى عراقية وإقليمية وعربية أيضا.
هذه هي الحقيقة التي ينحدر العراق إلى هوتها سريعا.