تحذير: لا تتحدثوا عن الترياق والحشيش والكريستال بالعراق
هيفاء زنكنة
لم يعد انتشار تعاطي المخدرات وبيعها، بأنواعها من حبوب الهلوسة إلى الهيروين (الترياق)، خافيا على أحد في العراق. المسؤولون في الحكومة يتحدثون عن الآفة، في استديوهات البث التلفزيوني، على مدى ساعات وساعات. الأطباء يحذرون من تزايد أعداد الشباب المدمنين وعدم القدرة على توفير العلاج. رجال الشرطة والأمن يواصلون حملات المداهمة والاعتقال، للمدمنين وعصابات المتاجرة، على حد سواء. وزارة الداخلية تحذر من تفاقم الظاهرة التي أدت إلى ظهور ظاهرة جديدة أخرى في المجتمع هي اغتصاب الأطفال. منظمات المجتمع المدني، بالتعاون مع المنظمات الدولية، تقيم الندوات وورشات التوعية للمسؤولين (مع اهمال المدمنين)، لتنبيههم إلى المخاطر. واذا ما وضعت مفردتي المخدرات والعراق في آلة البحث الالكتروني «غوغل»، حتى يتجسد حجم الكارثة، متمثلا بآلاف العناوين الخاصة بالعراق، المتضمنة مفردات مثل: تعاطي، انتشارها بين الشباب، الإدمان، الدعارة، حبوب الهلوسة، الجنوب يشتكي، أطفال يتعاطون، تنامي تجارة المخدرات، إقليم كردستان، مدينة المخدرات، طريق المخدرات، من المسؤول، إيران، ومصنع للمخدرات.
هناك، أيضا، تحقيقات مصورة، ترينا حال الضحايا من الاطفال والشباب، ولوعة الاطباء لعدم توفر امكانية توفير العلاج، من داء صار تأثيره واضحا للجميع، في بلد كان، قبل ان يصل اليه الغزاة، واحدا من البلدان النظيفة من المخدرات. كانت هناك، بالتأكيد، حالات فردية، تبدت بتناول بعض العقاقير وشم الغراء، في الشهور السابقة للاحتلال، الا ان المجتمع، لم يعرف تعاطي المخدرات وتهريبها كظاهرة، متمددة بين شرائح مختلفة، بشكلها الحالي. مما يدفع إلى التساؤل عن الاسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.
تشير اصابع الاتهام، في معظم التقارير، إلى ان إيران، تلعب دورا في انتشار المخدرات وتهريبها، لعدة أسباب، أولها ان الجمهورية الإسلامية، نفسها، تعيش في ظل تفشي استخدام المخدرات، وأكثرها شيوعا، لرخصه، هو الترياق (الهيروين)، البديل لتناول الكحول بسبب تحريم الأخير دينيا وقانونيا، وادعاء عدم وجود تحريم ديني صريح للترياق، لا يزيد عن كونه حيلة شرعية هزيلة، وتعبيرا عن خلل في المجتمع الإيراني يتغاضى عنه النظام الديني لتكريس مصلحته الخاصة. وثاني الأسباب كون إيران، سوقا وممرا للهيروين الأفغاني، الذي لم يعد خافيا تدخل المخابرات الأمريكية (السي آي أي) في تشجيع تسويقه. السبب الآخر هو توافد الزوار الإيرانيين إلى مدينة كربلاء، خاصة، لأداء مراسيم الزيارة، بأعداد هائلة، بدون تدقيقات حدودية، الأمر المشجع لمروجي المخدرات من الإيرانيين وغيرهم، بجلب بضائعهم، بحثا عن مستهلكين محليين أو عبورا إلى دول مجاورة. اذ يشكل العراق، كما ذكر تقرير مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، ممرا جيدا ومخزن تصدير في آن واحد، بسبب ضعف الرقابة الحدودية. اجتماعيا، هناك مقاتلي الميليشيات المدعومة إيرانيا أو التي تم تأسيسها في إيران منذ الثمانينات، التي تربى بعض افرادها والجيل التالي، على تعاطي الترياق والحشيش، باعتبارهما من الامور المقبولة ثقافيا ومجتمعيا، كما هو مضغ القات في اليمن، مع اختلاف التأثير والنتائج. وهم بحاجة إلى تغذية إدمانهم الذي ينعكس على موقفهم من تعاطي المخدرات وتداولها، بعد ان اصبح قادتهم ساسة متنفذين بالعراق.
لا يمكن حصر مسؤولية الجمهورية الإسلامية بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل ان هناك مسؤولية سياسية ـ اقتصادية يتحملها، معها، بعد أن أسس لها، الاحتلال الانكلو ـ أمريكي وساسة الحكومة العراقية، بالاضافة إلى تنظيم « الدولة الإسلامية». فتجارة المخدرات، زراعة وتصنيعا وترويجا، مربحة لكل الاطراف المذكورة. وهناك أمثلة تاريخية تثبت ان توفيره في اسواق الدول المستعمرة، التي يراد اخضاعها، بلا مساءلة قانونية أو عقاب، ومع تردي الاوضاع الاقتصادية وتنامي روح اليأس والاحباط، يدفع الشباب إلى تعاطيه وتحويلهم إلى عبيد، مسلوبي الارادة، من السهل تسخيرهم للقيام بأي عمل يطلب منهم. وهل هناك ما هو أكثر عبودية من الخضوع للغزاة؟
أبرز مثال تاريخي، هو قيام التجار الانكليز بغمر الاسواق الصينية بالأفيون، منتصف القرن السابع عشر، وحين شرع المسؤولون الصينيون قوانين لمنع تعاطيه واستيراده، أعلنت بريطانيا الحرب على الصين التي أطلق عليها أسم «حرب الأفيون» باعتبار القوانين الصينية تجاوزا على التجارة العالمية الحرة. واليوم، يتم تدريس حرب الأفيون، في المدارس الصينية، باعتبارها بداية «قرن الإذلال» الاستعماري ـ الذي انتهى مع إعادة توحيد الصين بقيادة الرئيس ماو عام 1949. وتزودنا فضيحة إيران / كونترا ـ التي ساعد خلالها الكولونيل الأمريكي أوليفر نورث على اتمام صفقة بيع الأسلحة لإيران اثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، لتمويل حرب الكونترا في أمريكا الوسطى ـ بمثال آخر يتبدى بقيام نورث باستخدام شركات نقل جوي وبحري معروفة بأنها ناقلات للمخدرات، في الوقت نفسه. كما أشارت تقارير عديدة إلى انخراط جنود الاحتلال الأمريكي، بالعراق، في تهريب وتوزيع وتعاطي المخدرات أنفسهم، وما سببه ذلك من مجازر، من بينها اغتصاب وحرق الطفلة عبير الجنابي وقتل كافة افراد عائلتها، قرب مدينة المحمودية، في 12 آذار/مارس 2006.
محليا، يشكل التهريب مصدرا مربحا جدا للاحزاب السياسية وميليشياتها، أما عن طريق المشاركة الفعلية بالتجارة أو التغاضي مقابل ثمن أو نتيجة ابتزاز. وفي ظل الفساد الكلي الشامل تتعدد الاساليب. فمقابل منع تناول الكحول، هناك قبول علني أو مبطن بتعاطي المخدرات. في احدى خطب عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، سابقا ورئيس حزب بيت الحكمة حاليا، وهو أحد الذين ترعرعوا في الجمهورية الإسلامية، ينصح الحكيم جمهور مستمعيه، في حزيران/يونيو 2017، عن وجوب تعاطي المخدرات « كالحشيش والكبسول والكريستال في الاماكن المخصصة لها» باعتبار «واذا ابتليتم فاستتروا»، محذرا الآخرين من التبليغ عنهم « لأن الله يحب الساترين».
لتوضيح سبب تعاون الادارة الأمريكية مع تجار المخدرات، وبالضرورة الأنظمة التي تتغذى على الفساد وما يجره من أنشطة غير مشروعة، يقول جوناثان وينر، المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا : «ستتعامل، دائما، مع مهربي مخدرات وتجار أسلحة ومهربين أجانب… لأنهم من نوع الناس الذين ستعتمد عليهم لتنفيذ حرب سرية… وهذا صحيح بالنسبة لأية حكومة في أي مكان ـ سواء كنت تتحدث عن أفغانستان، كولومبيا، جنوب شرق آسيا أو بورما، إذ تميل لتحقيق أنشطتك إلى التعاون مع أشخاص يشاركون في أنشطة غير مشروعة أخرى، وهذه الأمور أقرب ما تكون إلى التماثل». مع وجود حكومة مخدرة بالفساد ودولة فاشلة، هذا هو، بالضبط، ما تقوم به الادارة الأمريكية والجمهورية الإسلامية، معا، في العراق.
٭ كاتبة من العراق