المحافظات السنية من داعش إلى الحشد
لا معنى لمناشدات حيدر العبادي للكتل النيابية والأطراف السياسية عدم استخدام الحشد والأجهزة الأمنية في الانتخابات، لأن المشهد على الأرض في المناطق السنية يؤكد أنها على موعد جديد من أعمال عنف.
العرب هارون محمد [نُشر في 2017/11/16، العدد: 10814، ص(]
يخطئ من يعتقد أن فصائل الحشد الشيعي ستسحب مسلحيها من حزام بغداد، أو ستخلي مقراتها في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة التي يصر حزب الدعوة وزعيمه نوري المالكي على تنظيمها في مايو 2018 بـ“من يحضر” بتحريض إيراني مكشوف، ولا معنى لمناشدات رئيس الحكومة حيدر العبادي للكتل النيابية والأطراف السياسية بعدم استخدام الحشد والأجهزة الأمنية في الانتخابات، لأن المشهد على الأرض في تلك المناطق يؤكد أنها على موعد جديد من أعمال عنف متوقعة، وأخطر ما نخشاه ظهور نسخ منقحة من تنظيمات تستغل انتهاكات الميليشيات الشيعية في مناطق السنة العرب وتبدأ العزف على الأوتار الطائفية، كما حصل في صيف 2014 عندما اكتسح تنظيم البغدادي قوات المالكي وهزم جنرالاته.
ومن حسن الحظ أن الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريش، بعد أن اطلع على تقارير دبلوماسية من دول وحكومات عربية وإقليمية ودولية، وأخرى سياسية من أطراف عراقية، عن تردي الأوضاع في المحافظات السنية ومنع سكانها النازحين من العودة إليها، وغياب مشروع حكومي لتعميرها، أكد أنه يستعد لإرسال وفد أممي إلى العراق مطلع الشهر المقبل، يبحث ويقوم بزيارات ميدانية إلى المحافظات المنكوبة، لإعداد تقرير يقدم إلى مجلس الأمن، عن إمكانية إجراء الانتخابات النيابية المقبلة من عدمها.
وأحسن ما فعله المسؤول الأممي أن يعمل وفده الجديد ويمارس نشاطاته بمعزل عن البعثة الدائمة للمنظمة الدولية في العراق التي يرأسها حاليا إيان كوبيش المنتهية فترة عمله نهاية العام الحالي، وهي بعثة ثبت عجزها عن تقديم تقارير موضوعية عن الحالة العراقية، نظرا لضعفها وانحياز بعض مسؤوليها إلى أطراف سياسية وميليشيات طائفية بحيث وصل الأمر برئيسها وأحد مساعديه، إلى الاجتماع مع متهمين بالإرهاب ومطلوبين للعدالة الدولية، في إجراء غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة، كما حصل في لقاء أبي مهدي المهندس القائد الميداني لميليشيات الحشد الشعبي مع كوبيش.
ورغم أن أوساط البعثة الأممية سعت إلى تبرير دوافع اللقاء الغريب الذي جرى في أحد مقار المهندس، بأن كوبيش أوصل رسالة إلى القائد الميليشياوي لم يكشف عن مضمونها، إلا أن المثير في اللقاء هو تحذيرات من المهندس إلى المبعوث الدولي من عدم الخوض في قضايا الحشد، دون أن يبدي كوبيش اعتراضا على ما قاله مضيفه من تهديدات استفزازية ضد الحكومة والمنظمة الدولية.
إن الأوضاع في أحياء غربي الموصل التي سلمت من التدمير الذي طال المدينة في المعارك مع تنظيم داعش، تنذر بمواجهات بين السكان وفصائل الحشد التي استولت على مبان حكومية وأهلية وافتتحت مقرات وأنشأت نقاط تفتيش فيها مع رفع رايات ولافتات طائفية ونصب مكبرات صوت تذيع على مدار الساعة لطميات وخرافات وشتائم للصحابة، تشكل اعتداء على المواطنين الذين سعدوا باندحار مسلحي داعش وطردهم من مدينتهم، ولكنهم صدموا من ممارسات الميليشيات الشيعية ضدهم، وما تحمله من اتهامات باطلة واستدعاءات أصولية وتحقيقات أمنية مخالفة للقانون.
والأمر نفسه يجري الآن في كركوك بعد إنهاء الاحتلال الكردي لها، وانسحاب قوات البيشمركة منها، فقد زحفت الميليشيات الشيعية إلى أحيائها العربية والتركمانية، واتخذت مقرات ومكاتب فيها وبدأت تمارس أنشطتها الطائفية لتعيد إلى أذهان سكانها الأصليين تجاوزات الأحزاب الكردية العنصرية في الهيمنة والتسلط.
ورغم النفي الحكومي لمشاركة ميليشيات الحشد في معارك قضاء القائم المقابل لمدينة البوكمال السورية، إلا أن الصور والأفلام التي عرضتها أعداد من الفصائل تبين أنها شاركت فيها ونشرت وحدات منها في الأراضي السورية، في حين انتشرت وحدات أخرى على طول الطريق البري الدولي الرابط بين العراق والأردن وأقامت أكثر من عشر نقاط أمنية تقوم بتفتيش المسافرين والتدقيق في هوياتهم، رغم أن حماية الطريق من مسؤولية الأجهزة الأمنية في محافظة الأنبار، إضافة إلى وجود دوائر حكومية لشرطة الحدود والجوازات والجمارك والمخابرات والأمن الوطني في معبر طريبيل.
أما الأوضاع في محافظتي صلاح الدين وديالى وشمال بابل، فهي تسير من سيء إلى أسوأ، ولا تستطيع السلطات الحكومية فيها توفير الأمن والخدمات، حتى أن الميليشيات المحتلة لقضاء بيجي في شمال تكريت، وفيه أكبر مصفى للنفط في منطقة الشرق الأوسط منعت وفدا من خبراء وزارة النفط جاء لتفقد المصفى وتقييم الدمار فيه، استعدادا لتأهيله واستيراد معدات جديدة له بعد أن نهبت الميليشيات الصالح منها وحملتها في شاحنات إيرانية عملاقة ذهبت إلى طهران أمام أنظار القوات الحكومية، وكانت حجة الميليشيات أن وزارة النفط غير مسؤولة عن المصفى ولا يحق لها زيارته لأسباب أمنية.
وفي اجتماع عقد في بعقوبة مركز محافظة ديالى ترأسه هادي العامري في مطلع الشهر الحالي وحضره عدد من شيوخ العشائر الشيعية وهي أقلية في المحافظة، كان محور النقاش فيه أن يفوز عشرة نواب شيعة في الانتخابات المقبلة من أصل أربعة عشر نائبا حصة المحافظة، وترك مقعدين لسنة الحشد أي الموالين للميليشيات، ومقعد للتركمان الشيعة ومقعد لحزب الاتحاد الوطني ترشح شاغله عائلة جلال الطالباني، وبعد كل هذه الإجراءات القمعية والسياسات القهرية، يريد حزب الدعوة وفصائل الحشد والولي الفقيه الإيراني، انتخابات تسودها الشفافية والنزاهة و”جيب ليل وأخذ عتابة”.
كاتب عراقيهارون محمد