لا توجد اية محرمات في
السياسة العراقية، ولا توجد اطر او حدود معينة يتوقف عندها الساسة ويتعاملون معها كخط احمر، فمساحة حركتهم وتعاملاتهم السياسية والشخصية سائبة في كل شيء، حتى باتت تستند الى كل ما هو لااخلاقي ولا قانوني ولا عرفي، فالطلاق بائن بينهم وبين المنهج الوطني والانساني والمصلحة العامة. في
السياسة تستثمر الجغرافية والتاريخ والرموز الوطنية والقومية والدينية، بما يعزز الفعل السياسي للفرد والحزب والحركة، ويعطيهم دفعة قوية من الطاقة الايجابية التي تعينهم على استنباط الدروس والعبر، وبالتالي النجاح في اتخاذ قرار او موقف على الصعيد الداخلي او الخارجي.
وحتى في حالة وجود تقاطع ما او اختلاف مع مرحلة تاريخية معينة او رمز ديني او قومي او وطني، يفترض بالسياسي الا يتجاوز حدوده عندما يتناول هذا الموضوع، لان العمل في الحقل السياسي هو خدمة عامة، وهذه تفرض على من يخوض غمارها ان يحترم مشاعر الناس، والا يمس رموزهم، فالسياسة هي فن التعامل لتحقيق مصلحة المجموع. واذا كان علم
السياسة وقوانينه واعرافه ومناهجه قد وضعها رموز العملية السياسية خلف ظهورهم منذ العام 2003، وتقاطعت حركتهم بشكل تام مع كل قوانين الارض والسماء، فقد بات من واجب كل انسان شريف ومثقف ملتزم بالحقيقة وكاتب حر الكلمة، ان يقف بكل قوة ضد هذا الاسفاف والتطاول على
الرموز الاسلامية في
العراق. لماذا ننتفض ضد
الغرب الجاهل بتاريخنا الاسلامي عندما يسيء الى الرسول الكريم (صلى
الله عليه وسلم) وصحبه الاكارم، ولا ننتفض ضد ساسة
العراق الذين يمسون كرامات قامات كبيرة في تاريخنا الاسلامي؟ لماذا نسمح لهم بان يضعوا رموزا ايرانية سفكت دماء شعبنا في موقع متقدم على صحابة رسول الله، ويدافعون عنهم بعصبية طائفية، فقط لاننا رفضنا رفع صورهم في بلدنا؟ لذلك لا بد من موقف حازم يقفه شعب
العراق العربي المسلم ضد هذا النهج السياسي القائم على تسقيط كل شيء حي في تاريخنا ونفوس اجيالنا.
ليس جاهلا ذلك الذي قاد مسيرة سب الصحابة، التي جابت حي الاعظمية في بغداد، ولم يكن قادة الجيش والاجهزة الامنية في تلك المنطقة في غفلة تلك اللحظة اطلاقا، كما لم تكن تلك الفعلة بدون قرار سياسي طائفي، بل هي منهج اللحظة التي يمر بها العراق والمنطقة، التي يريد البعض جعلها مرحلة اعادة ترتيب الاوراق واستعراض العضلات الطائفية، والاعلان عن ان ما تسمى ‘المظلومية التاريخية’ قد ولت، وان اتباع هذا التفكير باتوا يستعرضون امكانياتهم في شوارع بغداد وغيرها من مدن العراق والاقطار المجاورة، باسلوب مقزز مستفز، يهدف الى اشعال حروب اهلية تدمر الاوطان وتحل دماء الابرياء، بعد ان غاب عن اذهان رموز العملية السياسية ان المجد السياسي لا يبنى على اثارة التناقضات التاريخية وتوسيع الخلافات المذهبية والدينية، فهذه قد تكون قطعة قماش حمراء يستثار بها الجهلة والاميون الموجودون في كل زمان ومكان، لكن فعلها يبقى وقتيا زائلا. ان المجد السياسي يبنى بالعمل الخلاق وبذهنية ابتكارية وليست استفزازية.
الاستفزاز يحرق كل الاطراف من دون نجاة احد، بينما الابتكار يؤسس مجدا شخصيا ومجتمعيا في نفس الوقت. واذا كان الخواء الفكري قد بات يؤرق الطغمة الحــــاكمة في بغــداد، وهم يستعرضون يوميا صور التفجيرات والقتل الجماعي اليومي في العراق، فان السماح بالمساس بالرموز الدينية، انما هو فرصة سانحة لهم للهروب من الازمة، من خلال خلق نقطة تماس ساخنة تضع بعضنا ضد الاخر، لذلك فان اصحاب المواقف مطلوب منهم ليس الحكمة والتعقل بمعــــناهما السلبي، الذي يقفــز من فوق الاحداث من دون اثر، التي جربناها كثيرا في مواقف متعددة سابقا، والتي تنتهي غالبا ببيانات الشجب والاستنكار، بل بالعمل الفكري التعرضي والاعتصام السلمي الذي لا ينتهي باتفاقات غامضة، كي نزيح الغطاء الطائفي عن كل الساسة المتربعين في المشهد السياسي البائس.
ان رموز العمليـــــة السياسية بشتى اصنافهم الطائفية يخططون اليوم لاسقاط قطرة الماء التي يفيض بعــــدها الكأس، كي تندلع الحرب الاهلية على اسس طائفية، ظنا منهم ان ذلك يؤدي الى تشكيل خارطة جغرافية جــــديدة، تربط
ايران بالعراق بسورية بلبنان ذات لون واحد، وخارطة اخرى بلون اخر، لان الشراكة باتت غير مجدية لهم، بعد ان توسعت تجارتهم السياسية وامتلأت حساباتهم بالاموال، وبات الاستـــثمار السياسي والمالي عنصرا دافعا لهم لخوض غمار الجحيم من اجل الاستفراد والاستحواذ على كل شيء.
لقد بات الانسجام المذهبي والديني والقومي في المنطقة معوقا لمشاريعهم في التحكم برقاب الناس والثروات الوطنية، وما مسيرة السب التي انطلقت في اعظمية بغداد الا محاولة انتخابية بائسة لا اخلاقية لدفع شعبنا للوذ بمن يدعون تمثيله الطائفي وتجديد مشروع التصويت على اسس مذهبية ضيقة مرة ثالثة.
‘ باحث سياسي عراقي