التوازن في القتل سمة الديمقراطية العراقية
د. مثنى عبدالله
April 7, 2014
عندما يُقتل سبعة شيعة، أنا أريد مقابلهم أن يُقتل سبعة من السُنة. هذا هو الشعار الانتخابي الجديد الذي تُلخص به النائبة حنان الفتلاوي عن ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه المالكي، فلسفتها في الحكم، وطريقة تقديمها للخدمات الى مواطنيها لفترة أربع سنوات قادمة.
فعلى الطريقة الغربية في المناظرات التلفازية بين المرشحين للانتخابات، حيث يعرضُ كلُ طرف وجهة نظره ومعالجاته للشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والضريبية، فقد استضافت احدى القنوات الفضائية العراقية النائبة المذكورة مع نائب آخر، فأعلنت عن برنامجها الانتخابي بعنوان كبير هو التوازن في قتل العراقيين.
فبعد أن أتحفتنا العملية السياسية بمفاهيم ومصطلحات تفتيتية، لم يعرف القاموس السياسي القديم والحديث مرادفات لها، وبعد ان قامت كل مناصب الدولة على بُدعة التوازن القومي والطائفي الثلاثي الخادع، حيث رأينا رئيسا كرديا له نواب سنة وشيعة، ورئيس وزراء شيعيا له نواب كرد وسنة، ورئيس برلمان سنيا له نواب كرد وشيعة، وقامت وزارات ومؤسسات وجامعات ذات لون طائفي واحد، وأطلقت التسميات الطائفية على المحافظات، فهذه محافظات سنية وتلك شيعية وأخرى كردية، وأخيرا اُستحدثت محافظتان للتركمان وواحدة للمسيحيين، ثم قُسّمت الخريطة الجغرافية للعاصمة العراقية بغداد على أحياء للشيعة والسنة، وأحيطت كل منها بجدران كونكريتية، نقول بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها الساسة من كل الاطراف بحق الشعب والوطن ببدعة التوازن، فان غرائزهم العدوانية بقيادة أفكارهم المريضة يبدو أنها لم تصل بعد الى حالة الاشباع، فكان ان تجرّأت من تحمل صفة نائبة في البرلمان، أن تدعو علنا أمام الرأي العام الى التوازن في القتل.
واذا كانت قد انفردت هي وحدها بالتصريح العلني عن هذا الامر، فان السلطان الطائفي وأجهزته الحكومية والمليشياوية أقروا هذا الامر من قبل ووضعوه قيد التطبيق العملي منذ زمن . فقد بنيت كل أجهزة القوة الصلبة للدولة على أساس طائفي تحكمه عقدة المظلومية التاريخية الخادعة، وتربّع على قيادتها أمراء طائفيون، كما تم تعزيز هذه الاجهزة بميليشيات كانت ولازالت تعمل في ظلها وكنفها وتنوب عنها في تأدية المهمات الطائفية ذات السرية العالية.
وقُسّم المجتمع الى طائفة ظالمة وأخرى مظلومة، وأتباع الحسين وأتباع يزيد، وجيش حُسيني وملايين من العراقيين كلهم اتباع عبيدالله بن زياد. هل يمكن لاحد أن ينسى حملة الابادة الجماعية المستمرة منذ سنوات ضد قرى ومدن حزام بغداد؟ انها حتى اليوم مُجبرة على دفع ثمن أي تفجير يحصل في أي مكان في
العراق من دماء أهلها، حتى باتت خالية من السكان بعد أن قتل واعتقل وهُجّر غالبية سكانها وجُرفت بساتينها.
أليس هذا الفعل تجسيدا حيا لما تدعو اليه النائبة المذكورة؟ اذهبوا الى السجون والمعتقلات السرية والعلنية واحصوا النزلاء فيها؟ ستكونون على يقين تام بأن ما دعت اليه مُطبّق منذ سنين وبتطرف يوازي السُعار الطائفي الذي سمعناه.
أما ما قيل وما فُعل بحق أهل الانبار على مدى عام كامل من الاعتصامات السلمية، سواء من قبل المسؤول الاول في السلطة التنفيذية او غيره من المسؤولين الاخرين، يضع حقيقة حية أمام كل مراقب للشأن العراقي، مفادها أن التوازن في القتل استراتيجية قائمة في النهج السياسي الذي تسير عليه الدولة، وهذا يقودنا الى حقيقة أخرى أكثر وضوحا من غيرها، وهي أننا أمام فرق موت لها دولة وجيش وأجهزة أمنية وشرطية، وليس دولة لها جيش وأجهزة أمن وشرطة، لذلك نجد أن غالبية الزعامات السياسية كانوا زعماء ميليشيات وبعضهم مازال في الخدمة يتربع حتى الان على قوى مليشياوية فاعلة. اذن نحن اليوم لسنا أمام حالة فردية أو تصرف خاطئ صدر من هذا النائب أو تلك النائبة في غمرة حالة من الحماس الانتخابي، بل اننا أمام نهج وسلوك سياسي يحاول أن يجعل جرائمه قانونية بحجة التوازن الطائفي لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن هناك توزيعا جيدا للادوار لتأدية مهمة التوازن في القتل.
فالنواب يُنظّرون للفحيح الطائفي عبر وسائل الاعلام لدغدغة الغرائز الطائفية وكسب الاصوات المريضة، بينما قمة هرم السلطة تمارس هذا النهج عمليا، لان الصلاحيات الممنوحة لها تتيح انجاز المهمة على أكمل وجه، حيث يزج بالجيش لقصف المدن والاحياء وحصارها اقتصاديا وأمنيا، واذا ما قتل سبعة جنود أو ضباط من الشيعة يجب أن يقتل ما يقابلهم من أهل الانبار، لانهم في التوصيف الطائفي من أهل السنة كي يتحقق التوازن.
أما عندما تسقط الاف القنابل في القصف العشوائي الذي يقوم به الجيش على المدن والاحياء السكنية، ويقتل المئات من الاطفال والشيوخ والنساء فهو أيضا لتحقيق التوازن. انه تسديد لدين قديم، حيث يقولون بأن الجيش العراقي السابق كان جيشا لهذه الطائفة وقصف الطائفة الاخرى في أعوام ما قبل عام 2003.
هذه هي العقلية السياسية التي يُدار بها العراق، وهذا هو الاطار العام للعملية السياسية التي يُراد منها تحقيق الديمقراطية والعدالة. اننا أمام هراء سياسي طائفي يقوم على تقسيم المجتمع الى طوائف ضعيفة وأخرى قوية، وأقلية طائفية سياسية وأخرى أكثرية فاستعصى الحل السياسي، لان من صنف نفسه بأنه القوي لا يرغب في النظر في حقوق من سماه ضعيفا لانه يعتبره تنازلا، لذلك هو يحاول أن يفرض ارادته على المجتمع كله بالعنف، الذي هو الاسلوب الامثل لطمس الحقائق والتلاعب بالاستثنائيات لتمرير الاستراتيجيات، لذلك فالمطلوب اليوم هو استمرار الحرب على الانبار ونقل تجربتها الى محافظات أخرى بقوى ميليشياوية، لتعطيل الحقوق، بما يسمى الحرب على الارهاب، وقتل الابرياء لتحقيق التوازن بجريرة المجرمين، والسلم في عرف الطغاة الطائفيين له متطلبات كبرى ومخاطرة سياسية، لانه يسلط حزمة ضوء كبيرة على أفعالهم أمام الرأي العام المحلي والدولي، لذلك هم يتجنبون المرور بحالة سلم طويلة لانها ترتب عليهم استحقاقات يجب أن يقوموا بها تجاه الشعب والوطن، استحقاقات سياسية واقتصادية وتربوية وثقافية واجتماعية وصحية وعمرانية وعلمية نهضوية، وهذه تحديات كبرى تسقط من ليس مؤهلا للقيام بها.
يقينا ان كل العراقيين توّاقون لسماع مسؤولين برلمانيين وحكوميين يدعون الى التوازن مع دول الجوار الاقرب والابعد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها تلك البلدان، التي لا تملك عشر الثروات التي يسرقونها يوميا من الشعب العراقي، لكننا نسمع اليوم عن التوازن في القتل الطائفي. نعم انه ابتكار جديد في زمن العراق الجديد الديمقراطي التعددي الاتحادي.
‘ باحث سياسي عراقي