هل فشل المالكي بدخول ولاية ثالثة من البوابة السعودية؟
د. مثنى عبدالله
November 25, 2013
لم يعد سرا ذاك الطرق السياسي المتواصل على البوابة
السعودية من قبل طاغية
العراق. كانت شواهده العلنية كثيرة عبر وسائل الاعلام، منها زيارة زعيم ‘البيت الشيعي’ ابراهيم الجعفري للرياض، على رأس وفد للتعزية بوفاة الامير سطام بن عبدالعزيز، حينها قالت المستشارة السياسية للمالكي، بأن الاحداث أثبتت أن السعودية تعمل على استقرار المنطقة، وأنه آن الاوان لان تأخذ العلاقات العراقية السعودية مداها الطبيعي. كذلك التقى الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية العراقية مع وزير الداخلية السعودي، لاستكمال الاطر الفنية واللوجستية لاتفاقية تبادل السجناء بين البلدين، ولنفس الغرض زارها وزير العدل العراقي. وعلى الرغم من أن هاتين الزيارتين طابعهما قانوني وأمني، الا أنهما تعززان الخطوات السياسية بين البلدين أيضا، مضافا الى كل ذلك الجهود الحثيثة التي يقوم بها شخصيا وزير الخارجية العراقي مع الكثير من نظرائه وزراء خارجية دول الخليج العربية، لحث المملكة على فتح صفحة جديدة مع الحكم العراقي الحالي، طبعا ليست كلها خدمة للمالكي، بل بعضها يخدم الاجندة الكردية المستقبلية.
أما الطرق السري للبوابة السعودية، فقد بدأه الطاغية حينما زار
عمان بداية العام الحالي، طالبا من المسؤولين فيها توسطهم لدى السعودية للضغط على ساحات الاعتصام في الانبار، ثم محاولة دفع الحكم الجديد في
مصر للتوسط لدى المملكة، وآخر محاولة كانت أثناء زيارته الى الولايات المتحدة الامريكية طالبا منهم القيام بدور الوسيط لحث الرياض على اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع العراق، بدلا من سفير غير مقيم يمثلها، عسى أن يجد في ذلك حلا لساحات الاعتصام التي باتت تؤرقه، مدفوعا بما قاله وزير الخارجية السعودي، في وقت سابق، من أن العراق لا يمكن أن يتخلص من مشاكله من دون الخروج من المعضلة الطائفية، وأن السعودية ليست في وارد التدخل في حل هذه المشكلة اذا لم يطلب منها. فهل فعلا يتوسل الطاغية تدخلا سعوديا للحل في العراق، خاصة مع اشتداد الانهيار الامني في الاشهر الاخيرة، أم أنه يريد السعودية سوطا لكبح الانتفاضة الشعبية في المحافظات الست؟
هنالك حقيقة أساسية في النهج السياسي للمالكي، هي أن التزاماته تجاه
ايران تفوق حتى التزاماته تجاه الامريكان، لاعتبارت ذاتية، مثل الانتماء المذهبي وتأثيرات المرجعييات الدينية، واعتبارات موضوعية يدخل فيها القرب الجغرافي الايراني، وقوتها الاقليمية القادرة على الحماية في وقت الضيق، كما حصل مع بشار الاسد، وقوة التأثير الاستخباراتي الذي ليس بالضرورة أن يكون مسلطا عليه شخصيا، بل على من حوله فيحد من استقلالية فعله. في ضوء هذه المعطيات يصبح من المؤكد انعدام الرغبة المبدئية الحقيقة لدى المالكي في الوجود العربي عموما، والسعودي خصوصا في العراق، خاصة أن السعودية تعتبرها
ايران النقيض الاساسي لها في المنطقة. لكن المراوغة والتناقض بين الاقوال والافعال والتوقيع على الاتفاقات، ثم التنصل من الالتزام بها، هي الصفات الاساسية التي يتمتع بها طاغية العراق، وأثبت فيها جدارة كبرى على المستوى المحلي مع الشركاء، وعلى المستوى العربي أيضا في مؤتمرات المصالحة الوطنية في
القاهرة والسعودية سابقا. عليه فان الرغبة بانفتاح المملكة عليه وانفتاحه عليها في حسابات مرحلية قد تراوده، خاصة في الفترة الحالية التي تشهد انهيارا أمنيا كبيرا وبداية التحشيد الانتخابي، مما يعطيه فرصة كبرى للجم وكسب أصوات قوى الاسلام السياسي السني بالتزكية السعودية.
اذن لماذا لا يستخدم الورقة السعودية ضد منافسيه بلونيهما السياسي الطائفي (سنة وشيعة) كي يدخل الى ولاية ثالثة؟ ألم يزر الحكيم والصدر والجعفري وعلاوي والنجيفي وبارزاني الرياض طلبا للدعم السياسي كل حسب غاياته؟ ألم تدعم المملكة بعضهم أيام المعارضة ولازالت على علاقة معهم؟ اذن ما خوف المالكي من هذه الخطوة؟ لن نكلف أنفسنا بالبحث عن اجابة على هذا السؤال، لان واثق البطاط قائد ما يسمى بـ’جيش المختار’ هو الذي أجاب عليه عمليا وليست تصريحات شفوية، حيث كانت القذائف الست التي سقطت على الاراضي السعودية موجهة لرئيس الوزراء العراقي بالدرجة الاولى، وهي ليست فعلا شخصيا قام به البطاط، بل هو تحذير قامت به الجهات التي تقف خلف البطاط والتي سبق له أن أعلن ولائه لها في ايران.
فتصريحات المالكي من أنه على استعداد لاستقبال أي مسؤول سعودي أو قيامه هو بزيارة السعودية لحل الخلافات، جاء في وقت غير مناسب وتجاوز الخطوط الحمراء الايرانية على الاقل في المرحلة الراهنة، التي يجب أن يتوحد فيه موقف السائرين على الخط الواصل من
طهران حتى بيروت مرورا بالعراق وسورية، حتى يتم القضاء على الثورة. فكيف له أن يصرح بذلك وطهران والرياض في مواجهة مباشرة في الاراضي السورية حاليا؟
طهران تعلم جيدا أن رفض الرياض اقامة علاقات طبيعية مع المالكي كان بسبب عدم ثقتهم به، واذا ما أقدموا اليوم على ذلك نتيجة الضغط الامريكي وبعض دول الخليج، فلن يكون ثمنه قُبلات يطبعها المالكي على خد هذا المسؤول السعودي او ذاك، بل سيكون بشروط قاسية تؤدي الى وضع مكابح حقيقية أمام التزام المالكي تجاه ايران وهذا ما لا ترضاه. اذن فان قذائف ‘جيش المختار’ أنتجت حقيقتين في الساحة السياسية التي يلعب بها المالكي تحديدا. أولاهما قد تكون قضت نهائيا على أحلامه بأن يتجه الى السعودية كي تحشد خلفه أحزاب ‘الاسلام السياسي السني’ فيدخل الى ولاية ثالثة من بوابة الرياض، وثانيتهما قد تكون القذائف بوابة له يدخل منها الى المملكة قائلا لهم، هذا ما قلناه لكم بأن الارهاب سيصل اليكم من أراضينا، وبالتالي كما هم أعدائي فانهم أعداؤكم أيضا فلنضع يدا بيد من أجل ولاية ثالثة نقضي بها عليهم. حينها سيواجه رد فعل حاسم من حلفائه وايران معا يغيّبه عن مسرح السياسة ويأتي بسياسي آخر من نفس الطائفة يمحو خطيئة المالكي.
‘ باحث سياسي عراقي