هل يُعلن بيان الانقلاب في بغداد قريبا؟ / د. مثنى عبدالله
14 /04 /2015 م 11:00 مساء كُثر كانوا هم المتفائلين بتعديل مسار العملية السياسية في العراق، بل نظّر البعض من الكتاب والمفكرين والباحثين إلى أن التغيير آت من لُبها، بعد أن تنضج وتلفظ من يستحق أن يكون خارجها، على اعتبار أن عصر الانقلابات العسكرية قد ولى، وبتنا محسوبين على الأنظمة الديمقراطية. مرت السنون ولم يحصل التغيير المنشود الذي وعدنا به، على الرغم من أن شركاء كثرا باتوا خارجها، أمواتا أو معتقلين أو مطاردين، ليس بسبب شرف العملية السياسية ونزاهتها، بل بسبب التكالب على المصالح والمنافع وصراع الإرادات.
فتنازل المتفائلون عن تفاؤلهم وعادوا يكررون المراهنة في الإصلاح مرة أخرى، لكن ليس على العملية السياسية، بل على حزب رئيس الوزراء.
فبعد أن احتكر «حزب الدعوة» المنصب الأول في السلطة التنفيذية على مدى ولايتين متتاليتين، على الرغم من أن قائمته لم تكن الفائزة في انتخابات الولاية الثانية، وبات يعد العدة للولاية الثالثة، رغم كل الأخطاء والخطايا والجرائم والكوارث والتشرذم والاقصاء والتهميش والسرقات وإهدار الثروات، تخيل البعض أن مشكلة العراق في الشخصية التي تقود وليس في المنهج الذي يحكم، فجاء الطرح الجديد قائلا، دعونا نغير رئيس الوزراء، شرط أن يكون القادم أيضا من الحزب نفسه.
وعندما تعنت هذا بموقفه ومنصبه، وتعرضت المصالح الأمريكية والإيرانية معا للتهديد الحقيقي، خاصة أن نصف مساحة العراق تقريبا باتت خارج السيطرة، بعد أن استولى «تنظيم الدولة» عليها، وفر الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية جميعهم من أمامه في ساعات معدودة.
شعر الأمريكان بأن تنظيما مسلحا من خارج نطاق الدولة، بات يهدد أمنهم وأمن حلفائهم بإقامته دولة من طراز جديد لا تعترف بكل القوانين الدولية، كما شعر الإيرانيون بأن التحالف الطائفي الذي يدّعون الانتماء إليه سينفرط، وأن خط المواصلات بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت قد بات في حكم المنقطع، في علم السياسة الدول كذلك تصاب بالقلق كما الانسان، وعندما يحل الخوف والقلق على المصالح تُنحّي مشاكلها جانبا وتصبح على قلب واحد.
هذا الذي حصل بين الشيطان الأكبر ودولة محور الشر، فتوافقا على إبعاد المالكي، لكن الحقيقة أن الخلف لم يكن في خطة التوافق الأمريكية الايرانية.
كانت هنالك أسماء مطروحة أخرى، لكنها كانت تحسب ألف حساب للمالكي، لأن البديل سيكون في عرفه متمرداَ عليه شخصياَ وعلى الشرعيتين الانتخابية والحزبية أيضا، ولأن الرجل بنى له صرحاَ من المحاسيب والموالين والحاشية في كل مكان من الدولة، فقد حسّب البعض درجات فشلهم قبل أن يحسبوا درجات نجاحهم، فرفضوا الترشح كبدلاء.
إذن هل كانت بطولة من رئيس الوزراء الحالي القبول بالترشح للمنصب بديلاَ عن زعيم حزبه؟ لا نعتقد ذلك، قدوم الرجل إلى المنصب كان يشي بأنه ليس على وفاق تام مع المالكي، ومن قاده إلى الواجهة، إبراهيم الجعفري، الذي يعرف جيداَ أن لديه الرغبة في الترشح لإثبات وجوده أمام زعيم الحزب.
الظاهرة الجديدة اليوم هو أن الذين كانوا يُراهنون على الإصلاح الداخلي في العملية السياسية وفشلوا في رهانهم، ثم راهنوا على الحزب الذي يحكم وفشلوا في الرهان أيضا، عادوا اليوم ليراهنوا على أن رئيس الوزراء الحالي سيقود انقلاباَ على العملية السياسية، ويغير الأمور بعصاه السحرية، بل أن البعض يدعم تحليله هذا بأن الامريكان يريدون التغيير، وأن رئيس الوزراء هو أداتهم للتغيير، لكن المتقوّلين بهذا الرأي يتناسون أن من أوصل الأمور إلى هذا الكم الهائل من السوء والكارثية هم الأمريكان أنفسهم.
إذن هل عادوا إلى رشدهم اليوم وعرفوا حجم خطيئتهم؟ لا نعتقد ذلك مطلقاَ، لأنه على الرغم من أن أوباما لم يكن صاحب قرار في غزو واحتلال العراق، لكنه عندما بات صاحب قرار لم يفعل أي جهد لتصحيح الوضع العراقي.
إذن هذه أضغاث أحلام يتصورها البعض حقيقة، صحيح أن من أتى بعد المالكي يختلف عنه في أمور كثيرة، لكن لو دققنا النظر في الاختلافات نجدها شخصية وليست منهجية، كما أن الاطار العام للعملية السياسية لازال هو هو لم يتغير.
من قال إن رئيس الوزراء العراقي، أي رئيس كان بغض النظر عن اسمه وشكله ولونه الطائفي، قادر على العمل بمفرده خارج إطار العملية السياسية؟.
أليس زعماء الكتل وأمراء الطوائف والقوميات هم من يمتلكون جزءاَ مهماَ من سلطة القرار، وهم أنفسهم في المشهد منذ عام 2003م وحتى اليوم؟ أما زالت المحاصصة الطائفية هي القانون والعرف والشرع الذي يحتكم الجميع إليه في تقاسم السلطات في البلد؟.
إذن الحديث عن انقلاب يقوده رئيس الوزراء الحالي ضد العملية السياسية هو مجرد هراء أو حلم في أذهان البعض، وأن الادعاء بأن النجاح في تحرير بعض المناطق من سيطرة تنظيم الدولة في عهده، على أنها مفاتيح قوة له تؤهله لتحقيق الانقلاب وتحقيق ما يريد، لا يمكن أن تكون فيتو له يشهره في وجه الآخرين.
فما تحرر من مناطق مازال الكثيرون في العملية السياسية يذهبون الفضل فيه إلى الحشد الشعبي، وزعماؤه وقادته معروفون وليس العبادي أحدهم. نعم لقد حصل العبادي على دعم محلي من بعض الاطراف السياسية السُنية التي همّشها سلفه، لكنه غير قادر على وضع ملعقة العسل في أفواههم، لأن وجودهم ليس بيده، بل بيد أطراف اخرى بعضها في الواجهة وأخرى خلف الستارة، كما أن الدعم العربي المحدود كان بُغضاَ بسلفه وليس حُبا فيه.
أما الأمريكان فقد يدعمونه لغرض تقويته علّهُ يعطي جرعة مسكن لآلام العراق، فيتخلصون من هذا الهم الكبير الذي وقعوا فيه، كما أنهم يُمنّون أنفسهم بأن الرجل قد يتقوى جناحاه فيتخلص من عباءة الحزب، وهو أمل بعيد في المستقبل المنظور، لأن الخريطة السياسية الحالية مُصممة أصلاَ للكتل والأحزاب والطوائف.
وحتى لو حصل المستحيل بقدوم شخص من خارج هذه الخريطة، فإن التصميم المقدس حتى الآن للعملية السياسية، سوف يُكبّله ويجعله عاجزاَ عن الحركة.
إذن لا بيان يحمل رقم واحد في بغداد قريبا، لا من العبادي ولا من الأمريكان، الذين يضحكون على بعض الساسة العراقيين المعارضين في عمان وغيرها من العواصم، ويوهمونهم بأنهم يستمزجون آراءهم في إحداث تغيير في العملية السياسية، إنها إبرُ تخدير لا تحفيز.