قريبا.. قوات درع الكيانات السياسية الشيعية مقبلة
د. مثنى عبدالله
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، استعرض حزب الله اللبناني قواته في إحدى مناطق ريف بلدة القصير السورية، وقد شمل العرض العسكري دبابات ومدرعات وآليات تحمل صواريخ موجهة.
وفي 26 من الشهر نفسه، صوت مجلس النواب العراقي بأغلبية الحاضرين على إقرار قانون الحشد الشعبي، ليصبح جزءا من الجيش العراقي وليس مُدمجا فيه. أي تشكيلا عسكريا مستقلا يتمتع بالشخصية المعنوية. قبل هذا التاريخ وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر، قال المتحدث باسم الحشد الشعبي العراقي، إن قوات الحشد تعتزم عبور الحدود إلى سوريا للقتال مع قوات النظام السوري، وأردف قائلا بأن الساحتين السورية والعراقية متداخلتان، ما يستدعي الذهاب إلى أي مكان يكون فيه تهديد للأمن القومي العراقي. كما أكد الأمين العام لمنظمة بدر المشاركة في الحشد، على أن هيئة الحشد تلقت طلبا من الرئيس السوري بشار الأسد للقضاء على تنظيم «الدولة» في الاراضي السورية. علما بأن الحشد الشعبي العراقي تشكل في ضوء فتوى الجهاد الكفائي، التي أطلقتها المرجعية الشيعية في النجف في 13 حزيران/يونيو عام 2014، بعد أن اكتسحت عناصر تنظيم «الدولة» محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وبعض مدن محافظة ديالى.
لو ذهبنا إلى المقارنة بين حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي في ظروف النشأة، نجد أن الأول قد تأسس في أوائل تسعينيات القرن المنصرم، لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للبنان، الذي بدأ عام 1983، وقد استثمر الحزب دوره في مقاومة الاحتلال لفرض إرادته على لبنان دولة وشعبا، حتى بات لاعبا أساسيا في الحياة السياسية اللبنانية يفرض ما يريد ويعطل ما لا يريد، ثم جعل من نفسه قوة إقليمية تقاتل خارج أراضي الدولة اللبنانية، وبالضد من إرادتها السياسية، وهو دور يتناقض تماما مع ادعاءات البداية الوطنية التي تحولت في ما بعد إلى دور طائفي، يرتبط مباشرة بمرجعيات دينية سياسية لدولة أجنبية هي إيران.
أما بالنسبة للحشد الشعبي العراقي فهو الآخر نشأ كعنصر رد على بسط تنظيم «الدولة» سيطرته على أراض عراقية، لكن دخوله تلك الاراضي بعد استعادتها أثار الكثير من علامات الاستفهام على دوره، الذي يفترض أنه من أجل حماية الأرض والإنسان، وراح يستثمر بندقيته وهويته الطائفية في الحياة السياسية، ويفرض إرادته وأجندته على كل الأطراف الاخرى، بضمنها الاطراف التي تشترك معه بالهوية الطائفية نفسها. وأخيرا يعلن عن نفسه لأداء دور إقليمي في الساحة السورية أيضا، على الرغم من تأكيداته السابقة بأنه مجرد سند وظهير للجيش العراقي في عملية استعادة المدن التي سيطر عليها تنظيم «الدولة». كما أنه هو الاخر يعلن صراحة ارتباطه بمرجعيات دينية سياسية أجنبية في إيران. هنا نجد بكل وضوح أن حزب الله والحشد الشعبي كلاهما يمارس دورا سياسيا من وحي خارج الدولة الوطنية، كما يمارسان دورا عسكريا أيضا.
عسكريا نجد أن حزب الله استعرض بشكل مقصود في القصير السورية، لانها ذات عمق استراتيجي يقود بالذهاب إلى كل الاتجاهات، إلى الجنوب حيث العاصمة دمشق، والى الشمال حيث حمص وحماه ثم حلب، كذلك يمكن الذهاب منها إلى الساحل. وقد كانت رسالته واضحة جدا، من خلال الاستعراض، وهي أن لم يعد يمتلك ميليشيا تجيد القتال بطريقة حرب العصابات، بل لديه جيش يحمي به سلطة الطائفة في كل مكان في المنطقة. كما يستقتل الحشد الشعبي العراقي على مدينة تلعفر لانها ذات عمق استراتيجي أيضا، تؤدي دور النسغ الصاعد والنازل من طهران إلى سوريا وبالعكس، حيث طريق الحرير الايراني المقبل باتجاه المياه الدافئة في البحر الابيض المتوسط. وقد كانت رسالة إقرار قانونه في البرلمان دليلا على تحوله من ميليشيا إلى جيش خاص لأداء مهمات ليست من اختصاص الجيش العراقي، لذلك لم يتم إدماج عناصره في تشكيلات الجيش وإنما بات مؤسسة عسكرية خاصة.
ولو نظرنا من الناحية العسكرية إلى التجربتين نجد أنهما نسخة مكررة من الحرس الثوري الإيراني، الذي نشأ بعد وصول الخميني إلى السلطة عام 1979، ما يؤكد على أن طهران عازمة على تشكيل قوة ميليشياوية طائفية عابرة للحدود، ستكون في خدمة أهداف أجندتها الطائفية في المنطقة، ولا نستبعد أن تكون النسخة المقبلة من الحرس الثوري الإيراني في اليمن لاحقا، خاصة بعد اللقاءات التي جرت بين ممثلين عن الحوثيين والزعامات الايرانية وقادة الميليشيات العراقية، الذين هددوا بأن وجودهم في سوريا اليوم وغدا في اليمن. وبذلك تؤكد إيران بأنها هي من تحاول رسم شكل وحدود أنظمة المنطقة، من خلال أذرعها العسكرية.
لقد ضغطت إيران كثيرا على الحكومة العراقية للبدء بعملية استعادة محافظة نينوى، على الرغم من أن الامريكان لم يكونوا يريدون ذلك، وكانوا يرغبون في استكمال بعض الجوانب السياسية لمستقبل الموصل قبل الشروع في المعركة، لكن الضغط الايراني كان مستعجلا لمد جسور المعركة من الاراضي العراقية إلى سوريا لتأكيد وحدة الهدف على أرض الواقع، وإشعار الآخرين بأن نواة قوة درع الطائفة قد تشكلت، وأن ساحة الهلال الشيعي ومناطق النفوذ من العراق فسوريا ولبنان قد توحدت تماما. فالمسرح التاريخي لايران كان ومايزال هو الهلال الخصيب وما بعده، وهذه الجغرافيا كانت هي الاساس في العقل الايراني قبل الاسلام وبعده، وقبل ثورة الخميني وبعده أيضا، وما حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي الا وسائلها في السيطرة، ومؤثراتها القوية في العراق وسوريا ولبنان، وبهما سيبقى الأفق مفتوحا لها من طهران حتى بيروت، على الاقل في الوقت الحالي، إن لم يكن الحوثيون هم أيضا من سيفتح بوابة الجزيرة العربية أمامها.
السؤال الأهم هنا هو أن حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي كلاهما تخلى عن حرب العصابات. الاول يخوض حربا إلى جانب قوة عظمى هي روسيا، والطرف الثاني يخوض حربا إلى جانب قوى عظمى أخرى هي أمريكا وفرنسا، وهذه المشاركة ستشكلهما من جديد بوضعية أخرى وتكسبهما خبرة عسكرية في جميع الجوانب. وعندما نرى اليوم أن الطرفين يقاتلان بطريقة ذات بعد تقليدي، وأنهما يستعرضان قوتهما المشكلة من دبابات ومدرعات في القصير والموصل، يصبح من المهم أن نسأل، ترى هل سيلتقي الطرفان في سوريا أم في مكان آخر؟ وما هو مسرح وطبيعة المعركة المقبلة؟ وهل انتهت طهران من تشكيل قوة عسكرية من خارج المنظومة العسكرية المهنية، لهدف حماية الجغرافية الطائفية؟
باحث سياسي عراقي