الجزائر والمغرب: صراع على قلب ماكرون
د. مثنى عبدالله
مع تولي الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون مقاليد السلطة في فرنسا، تتدافع كل من الجزائر والمغرب، سرا وعلانية في أروقة السياسة الفرنسية، للحصول على الأفضلية في قلب الرئيس ماكرون.
ويترقب الطرفان بصبر بالغ ملامح السياسة التي سينتهجها الرجل إزاءهما، خاصة وقد وزّع اهتمامه بالتساوي بينهما أثناء حملته الانتخابية، بينما لا يُحبذ الطرفان سياسة القسمة العادلة لهما من الاهتمام الفرنسي، لأن حالة الندية الأبدية المستعصية بين البلدين، تجعلهما في سباق دائم للظفر بالأولوية لدى قصر الأليزيه.
هنا وفي هذه النقطة بالذات تجد كل من الرباط والجزائر اليوم، بأن عليهما بذل المزيد من الجهد والوقت كي يكون لهما موطئ قدم في العهد الفرنسي الجديد. فربُ البيت في باريس، لم يعد كما كان في السابق اشتراكيا، أو من اليمين المحافظ المعتدل، فيسهل على البلدين العربيين التحرك في أوساط سياسية معروفة لهما، ولديهما علاقات صداقة ومصالح قديمة معها. إنهما أمام هرم سياسي جديد من خارج النسيج السياسي القديم، ومحيطه السياسي أعلن صراحة أن الاولوية للمصالح وليس للصداقة. صحيح أن ماكرون كان قد زار الجزائر في فبراير الماضي، أثناء حملته الانتخابية وأشاد بها شريكا أساسيا، ووعد بـ»تكثيف الشراكة بين فرنسا والجزائر، والاستعداد لمساعدة الجزائر في تنويع اقتصادها» في تصريح له، بالمقابل فإنه لم يزر المغرب ولم يلتق ملكها، الذي كان موجودا في باريس خلال الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، ثم قام بتعيين مرشحة للبرلمان عن دائرة غرب وشمال أفريقيا، من أشد المؤيدين لجبهة البوليساريو في أوروبا، التي ما فتئت تقف بالضد من انحياز باريس لصالح المغرب في هذه القضية، والتي ألغي ترشيحها لاحقا، لكن لا هذا ولا ذاك يعطي مؤشرا واضحا على طبيعة التعاطي السياسي الفرنسي المقبل مع البلدين، حيث أن الحقيقة المهمة هي أن الأقوال والشعارات في الحملات الانتخابية تطوى في الأدراج، وأنها تذوي تحت أقدام الافعال، حينما يصبح المرشح فائزا ويتولى السلطة. فقد زار ماكرون الجزائر وأشاد بها من أجل الكسب الشخصي له وليس للجزائر، فأصوات الملايين من مزدوجي الجنسية في هذا البلد عامل حاسم في فوزه.
كما أعلن أثناء الحملة الانتخابية أن الرباط ستكون وجهته الاولى بعد انتخابه وأشاد بها كذلك، لانه يعرف أن هذا البلد فيه عوامل أقتصادية وثقافية وأمنية مؤثرة على فرنسا وعلى مجتمعها. ومع ذلك فإن هنالك قاعدة بُنيت عليها العلاقات بين أضلاع المثلث الفرنسي من جهة والجزائري – المغربي من جهة أخرى. وهي أن هوية من في قصر الاليزيه هو الذي يعطي صورة مستقبلية لما ستكون عليه هذه العلاقات، أي أن الرئيس هو المسؤول للدفع بالعلاقات، خاصة مع هذين البلدين، لأسباب كثيرة يلعب التاريخ فيها دورا حاسما.
وعلى الرغم من أن ماكرون من خارج الطبقة السياسية المتعارف عليها، كما أشرنا سابقا، لكن القاعدة الأساسية في السياسة الفرنسية تقول، إن سياستها الخارجية لا ترتبط حرفيا بمن هو في قمة هرم السلطة، بل هنالك ثوابت ومصالح عُليا يعود اليها، من يكون في قصر الاليزيه ويضعها كمقياس للتعامل الدولي. والجزائر والمغرب تاريخيا كلاهما نقاط ارتكاز مهمة للسياسة الفرنسية في المغرب العربي وإفريقيا، وهنالك تأثير متبادل لكل منهماعلى الاخر، في مجالات كثيرة رأيناها بوضوح في المغرب أكثر منه في الجزائر. فقد حرص المغرب ومنذ عقود على أن يكون عند حسن ظن فرنسا، وأن يتناغم مع السياسة الفرنسية في محطات كثيرة، بل أنه لم يتوان عن تحقيق إصلاحات سياسية داخلية كي ينال الرضى الفرنسي، وإصلاحات اقتصادية تتلائم مع توجهات السوق الداخلية للاتحاد الاوروبي، كي يصبح مقبولا في هذا الوسط. والغاية الأهم من كل هذه الطاعة هو أن يبقى الموقف الفرنسي خصوصا، والاوروبي عموما، منحازا لوجهة النظر المغربية في قضية البوليساريو. وقد كانت فرنسا على العموم عند حسن الظن المغربي في هذا التوجه.
لكن الاهم في هذا الموضوع وهو ما يجب الاشارة اليه في هذا المقال، هو أن المغرب والجزائر كليهما تعاملا مع تصريحات ونشاطات الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون أثناء الحملة الانتخابية، وبعد فوزه بالرئاسة، انطلاقا من طبيعة الأزمة الابدية بينهما، وفي ضوء الحساسية المفرطة الناتجة عن الانسداد المزمن في صحة العلاقات التي تربطهما. وهو خطأ كبير وقع فيه صانع القرار السياسي في هذين البلدين، لأنه يحاول الاستثمار في العلاقات الدولية ضد المصالح القومية. وهذا دليل واضح وأكيد على أن هذين البلدين ما زالا حتى اليوم غير قادرين على تحديد هل هما هدف لتأثير خارجي، أم أنهما قادران على تحقيق مصيرهما ومصالحهما، كل منهما على حدة، أو جماعة على مستوى المغرب العربي والأمة العربية عموما. وهذا خلل بنيوي عميق في إدراك المصالح، وهو الذي يقودهم إلى التناقض، على الرغم من النسيج الاجتماعي المتشابه والمنظومة الاقليمية المغاربية، التي تجمعهم، وكذلك المنظومة العربية الاعم.
هنا يتأكد لنا أن الجزائر والمغرب يفهمان ما يجب فعله بشكل مجزأ لا موحدا، كل منهما يريد فرنسا له ضد الاخر، بينما سيبقى تأثير فرنسا قويا عليهما، وسيبقيان يعدّان منظوماتيهما الامنية والاقتصادية والسياسية وفق المصالح الفرنسية. حينها لن تنجح أي استراتيجية يضعها البلدان، لأن تحقيق الاستراتيجية يتطلب منا السيطرة على مكونات النجاح، أي أن مستوى النجاح الاستراتيجي وعوامله يجب أن تكون بيد صانع القرار الجزائري والمغربي، وليس أن تكون عوامل النجاح بيد فرنسا ونتمنى أن يتصرف ماكرون كما نريد. هذه معضلة كبرى تعانيها الامة بمشرقها ومغربها، وقد جلبت عليها الكثير من الاهوال والحروب والصراعات والمؤامرات. كما أضاعت عليها فرصا تنموية كبرى واندثرت فيها مليارات الدولارات.
لقد استغل الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون أصوات ثلاثة ملايين مزدوج جنسية من الاشقاء الجزائريين، وبعض الفرنسيين ممن يقيمون في الجزائر، لتحقيق الفوز لمصلحته الشخصية ولمصلحة فرنسا عامة، لكن هل لدى الجزائر استراتيجية تجعل من هذه الثلاثة ملايين صوت، لوبيا لها يضغط على صانع القرار الفرنسي ليحقق مصالحها في فرنسا؟ وهل استغل المغرب مكانته كنقطة ارتكاز للسياسة الفرنسية في المغرب العربي، وشراكتها الاقتصادية المهمة معه، كي تجعل من ذلك عوامل ضغط على السياسة الفرنسية لتحقيق مصالحها؟
باحث سياسي عراقي