السعودية تشيّع الملك عبدالله وتواصل السير على نهجه الملك الجديد سيقرر حجم قوة الدفع بمواجهة إيران في بؤر الصراعات بعد انتقال سلس للسلطة ضمنته ترتيبات مسبقة. العرب
[نُشر في 24/01/2015، العدد: 9807، ص(3)]
وفاق الأسرة الحاكمة سهل مرور السلطة من الملك الراحل إلى خلفه
الرياض - مواراة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الثرى أمس لا تعني وفق أغلب التحليلات طيّ صفحة نهجه السياسي، بقدر ما تعني مواصلته على يد القيادة الجديدة التي تسلّمت السلطة بسلاسة لافتة بدا واضحا أنّه جرى الترتيب لها بشكل مسبق ودقيق.شُيّعت أمس جنازة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مقبرة العود، في أجواء جمعت بين البساطة والخشوع وعكست المكانة الدينية للراحل باعتباره ملكا للسعودية ذات الدور المحوري في العالم الإسلامي، وباعتباره أيضا “خادما للحرمين الشريفين” المدني والمكي، حيث أقدس مقدسات المسلمين. فيما عكس الاهتمام العربي والدولي بحدث رحيل الملك عبدالله المكانة السياسية للرجل والتي أسبغها على بلاده خلال سنوات قيادته لها بما حققه من منجزات داخلية ومن مبادرات إقليمية ودولية.
وكان إعلان المملكة العربية السعودية رسميا وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ساعة مبكّرة من فجر الجمعة ترافق مع قرارات سياسية، حملت تغييرات في الأسماء الماسكة بزمام السلطة، دون أن تعني ضرورة حدوث تغييرات جوهرية في السياسات السعودية.
وكما كان منتظرا ومقررا سلفا جرت مبايعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز ملكا للبلاد باعتباره كان وليّا للعهد في عهد الملك الراحل. وأصبح أخوه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبدالعزيز بالنتيجة وليا للعهد.
وكان أبرز تغيير تعيين الأمير محمد بن نايف وليّا لوليّ العهد ليدخل بذلك جيل أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود مسار تولي عرش المملكة، بعد جيل الأبناء الذين بلغ جميعهم مرحلة الشيخوخة.
ومن التغييرات المهمة أيضا تعيين الأمير محمد نجل الملك سلمان بن عبدالعزيز وزيرا للدفاع وهو منصب بالغ الأهمية كان يتولاه والده حين كان وليّا للعهد.
وكان من أبرز العوامل اللافتة في عملية انتقال السلطة، السلاسة التي جرت بها، وهو الأمر الذي جاء معاكسا لتحليلات سبقت حتى وفاة الملك عبدالله وتزامنت مع فترة اشتداد مرضه ومفادها أن صراعات كبيرة تجري على السلطة في السعودية، ويمكن أن تظهر إلى العلن مع وفاة الملك. وحسب المتابعين للشأن السعودي فإن هدوء انتقال السلطة وسلاستها لم يأتيا محض صدفة بل هما وليدا ترتيب مسبق كان شارك فيه الملك الراحل بفاعلية عبر عدة إجراءات من بينها تعيينه وليّا لوليّ العهد، وقيامه بتحصينه بأمر ملكي من إمكانية تغييره. كما بدا واضحا أن الملك سلمان من جهته رتّب الأمر بدقة مع أعضاء الأسرة الحاكمة، قبل رحيل الملك عبدالله.
وأخذت جنازة الملك الراحل أمس بعدا عربيا وإسلاميا وعالميا عكس مكانة السعودية التي تعزز دورها بشكل واضح في مرحلة حكم الملك عبدالله الذي كان يوصف بالإصلاحي والمتفتح.
وتوافد العشرات من المسؤولين العرب والأجانب إلى العاصمة السعودية للمشاركة في جنازة الملك عبدالله الذي شيع جثمانه من جامع الإمام تركي بن عبدالله حيث أقيمت صلاة الجنازة، إلى مقبرة العود حيث يوارى الثرى عادة المتوفون من الأسرة الحاكمة في مراسم شديدة البساطة.
تغييرات على رأس السلطة◄ تولي الأمير سلمان عرش المملكة◄ الأمير مقرن يصبح وليا للعهد
◄ تعيين الأمير محمد نايف وليا لولي العهد
◄ تعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ومديرا للديوان الملكي
◄ إقالة خالد التويجري من رئاسة الحرس الملكي وإدارة الديوان
وحضر المراسم خصوصا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى جانب زعماء دول الخليج، لا سيما أميري الكويت وقطر وملك البحرين وحاكم الشارقة ممثلا لدولة الإمارات، وحضر أيضا ممثل عن سلطان عمان. وفي تأكيد على أن صفحة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لن تطوى بمواراته الثرى، أكد العاهل السعودي الجديد في أول كلمة له بعد اعتلائه سدة الحكم أن المملكة بقيادته ستستمر بالسير على نفس النهج الذي سار عليه أسلافه.
وقال الملك سلمان في كلمته التي عزّى فيها الشعب السعودي بوفاة الملك عبدالله “سنظل بحول الله وقوّته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله وعلى أيدي أبنائه من بعده رحمهم الله”.
ووعد بأن تستمر بلاده التي تحتضن أقدس المقدسات الإسلامية، بالعمل على وحدة العرب والمسلمين. وقال “إن الأمّة العربية والإسلامية أحوج ما تكون إلى وحدتها وتضامنها وسنواصل في هذه البلاد مسيرتنا بالأخذ بكلّ ما من شأنه ضمان وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا”.
وأصدر الملك سلمان عددا من الأوامر الملكية التي تضمّنت خصوصا إعفاء السكرتير الخاص للعاهل السعودي الراحل خالد التويجري من مناصبه، بما في ذلك منصب رئيس الحرس الملكي ومدير الديوان الملكي.
واحتفظ جميع أعضاء مجلس الوزراء بمناصبهم، إلاّ أن وزير الداخلية محمد بن نايف عيّن وليّا لوليّ العهد. وكان يعدّ الرجل القوي في مجال مكافحة الإرهاب ويحظى نظرا لجهوده هذه بتقدير دولي لا سيما من قبل الولايات المتحدة. وكان أشرف على جهود المملكة الناجحة في الحرب على تنظيم القاعدة داخل المملكة.
ومثّل رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز حدثا عالميا وإقليميا كبيرا تجاوز حدود المملكة وهو ما عكسه إعلان عدّة دول الحداد وإقامة صلاة الغائب على روحه منها دولة الإمارات ومصر والأردن ولبنان وتونس.
وفي دليل على عالمية حدث رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز سارع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الإشادة بالعاهل الراحل واصفا إياه بأنه صديق أمين وقائد صادق اتخذ قرارات شجاعة في عملية السلام بالشرق الأوسط. وقال أوباما في بيان “كان دائما قائدا صادقا يتمتع بالشجاعة في قناعاته” متحدثا عن “صداقة حقيقية وودية”.
مراسم تشييع اتسمت بالبساطة
وأضاف “عمل بلدانا معا في مواجهة العديد من التحديات وثمنت دائما وجهات نظر الملك عبدالله وقدرت صداقتنا الحقيقية والودية”. وأشاد أوباما أيضا بـ”القرارات الشجاعة” التي اتخذها الملك عبدالله في إطار مبادرة السلام العربية من أجل حلّ النزاع العربي الإسرائيلي.
والعاهل السعودي الراحل هو الذي أطلق المبادرة العربية للسلام التي عرضت الدول العربية بموجبها سلاما شاملا مع إسرائيل مقابل انسحاب الدولة العبرية من الأراضي المحتلة منذ 1967 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية فضلا عن التوصل إلى حل تفاوضي لقضية اللاجئين.
وتمكن الملك عبدالله من تعزيز صورته كقائد قريب من الناس، كما أعلن عن تقديمات مالية واجتماعية ضخمة لشعبه مع اندلاع احتجاجات الربيع العربي التي تجنبتها المملكة بدرجة كبيرة. وأبدى الملك الراحل قلقا كبيرا إزاء الوضع في مصر بعد صعود جماعة الإخوان لحكمها. ودعّم من ثمة بقوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
ومن المتوقع أن يتابع الملك سلمان إلى حد كبير السياسات التي ترسّخت خلال عهد الملك عبدالله، في المجالين السياسي والنفطي، وكذلك في مجال إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية متدرّجة إلى المملكة. وفي هذا الاتجاه قال فرانك غاردنر، المراسل الأمني لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إنه “سيكون على الملك الجديد التعاطي الآن مع دعوات الإصلاح، لكن على المدى البعيد المملكة تواجه مشكلة بطالة تزداد عمقا، فنصف عدد السعوديين تحت سن الخامسة والعشرين بينما الوظائف الشاغرة لا تتناسب مع هذا العدد الكبير”.
إلا أنّه نفى أن تؤثر الأوضاع الاقتصادية بشكل واضح على المملكة في المستقبل المنظور قائلا “المملكة مازالت تتمتع بأسبقيتها في الثروة النفطية. صحيح أن سعر البرميل بات دون 45 دولارا، لكن السعودية مازالت ضمن عدد قليل من الدول المصدرة التي تحافظ على نفس مستوى الإنتاج ومساحات التنقيب”. وبشأن السياسة الخارجية التي سيتبعها الملك سلمان، قال يوخي دريزين في مقال نُشر في مجلة فورين بوليسي إن “العاهل السعودي الجديد سيحتاج إلى رسم ملامح علاقته بالرئيس الأميركي باراك أوباما، وأن يقرر حجم قوّة الدفع التي سيكون عليه مواجهة إيران بها في بؤر الصراعات المشتعلة في المنطقة وفي غرف المفاوضات في فيينا وجنيف”.
وأضاف “الملك عبدالله حافظ على استقرار المملكة في وقت تموج فيه المنطقة بالاقتتال. ومستقبل السعودية بات معلقا بقدرة شقيقه على الفعل وردّ الفعل على نفس طريقته”.
تفاصيل أخرى:الأمير محمد بن نايف نقطة العبور نحو الجيل الجديد السعودية تعيد ترتيب بيتها الداخلي بهدوء الحوثيون وداعش.. ملفات ساخنة على طاولة وزير الدفاع الجديد السعوديون يودعون الملك على تويتر: لا تدفنوا إرثه وكالة الطاقة وصندوق النقد يستبعدان حدوث تغيير في سياسات السعودية